نستطيع القول بأن الطبقة السياسية، وخلال الحقبة المنصرمة التي تلت زوال نظام صدام، لم توفق لإدارة شأن الدولة بمعناها الدقيق كدولة، بقدر ما كانت تتعاطى مع مجموعة أزمات، بعضها سبقت مجيئها الى السلطة، وبعضها كان نتاج قدومها، كردات فعل طبيعية من أضدادها الطبيعيين، وبعضها الآخر كانت قد صنعته هي بيدها؛ بكل فخر واعتزاز!
يتعين الإقرار أولا أن بين هذه الطبقة، من كان يبذل جهده؛ للقيام بعمل إصلاحي؛ تدفعه النوايا الطيبة، لكن التجربة البشرية أثبتت؛ أن النوايا الطيبة لا يمكنها بناء دولة، بل أن التجربة ذاتها، تفيد أن النوايا الطيبة، كانت عائقا لبناء الدول؛ لأنها غاية بحد ذاتها، ولأنها تصطدم دوما بما هو واقعي، وليس من سنخها، فإنها تأتي بنتائج عكسية..!
لقد واجهنا كم هائل من الإعاقة والإخفاق، بل والفشل فى جوانب كثيرة، مقتربين جدا من وصف الدولة الفاشلة، الأمر الذي يستوجب الإقرار بذلك، والإعتراف بأثاره، وإمتلاك الجرأة في تشخيص أسبابه ومسببيه، حتى نجد السبيل لتجاوزه ومعالجته مستقبلا.
لكن هذا ليس متوقع على الطلاق، لأن لا ثقافة الإقرار بوجود أخطاء متوفرة لدينا، ولا المقدرة على تشخيص الأسباب حاضرة في تخطيطنا، ولا البعد الأخلاقي موجود لدى طبقتنا السياسية، كدافع لتسمية الأشياء بأسمائها.
حتى المعالجات الخجولة، التى جرت لمعظم أوضاعنا، لم تكن تمتلك الغايات النبيلة للعلاج، فهي تفتر بمجرد الشروع بها، لمحدودية الآليات، وتعاظم الضغوط الداخلية والخارجية، وكثافة المحن التى مررنا بها، وما جرته بين ثناياها، من تفرعات لا نهاية لها، ومعظمها إن لم يكن كلها، لامست حياة المواطن ووجوده وتطلعاته المشروعة, فضلا عن المؤثرات الخارجية التي لا تحصى، وتقلبات الظروف الدولية الضاغطة، وامتداد أثرها، ليطال كافة بلدان المنطقة، ولم يكن العراق إستثناءا في ذلك!.
نريد أن نتجاوز دولة الأزمات، الى دولة المؤسسات، بكل ما يحمل هذا التوصيف من مهنية وأبعاد، ونحن أمام محطة فارقة، تحتاج منا التوقف وإمعان النظر، في واقع وشكل الدولة الحديثة القديمة، وفق المعطيات الجديدة، والنظر مليا فى مآلاتها ومستقبلها، لا مجرد لافتات وواجهات، تكثر الكلام والطحين وطبخ الحصى!
على الرغم من أننا نرغب بالخروج؛ من عنت المكابدة والمعاناة، التى لم تكن حصرية على طرف دون آخر، وعلى الرغم من بذلنا كثير من الجهد؛ للتخلص من أنشوطة مأزقنا المتفاقم، لكننا حققنا بعض النجاحات والانفراجات هنا وهناك، وأكملنا استحقاقات، لا يسعنا إلا أن نقر بأنها كبيرة، وأننا أستطعنا التغلب على مشكلات عديدة، لكن تغلبنا كان على طريقة كحال قليل الخبرة: أراد أن يكحل عينا فأصابها بالعمى.!
كلام قبل السلام: السَّرْج المُذهَّب لا يجعلُ الحمار حصاناً!
سلام..