ولو عدنا الى العلاقات بين هذين البلدين فأنها تتميز بشدت التعقيد من الناحية السياسية ، وثمة حقد دفين بين الجانبين، وتبدو في حالة حرب باردة دائمة تخبو حينا وتظهر إلى السطح في أحيان أخرى، ولكنها من الناحية الاقتصادية تبدو أمام شراكة حيوية مفتوحة نظرا للمشاريع الاقتصادية الضخمة في مجالات الطاقة والتجارة والاقتصاد ودور الجغرافية السياسية في تطوير العلاقات الاقتصادية بين الجانبين ولاسيما مع تحويل المشاريع الثنائية إلى مشاريع إقليمية ودولية تحظى بمزيد من الأهمية الإستراتيجية في العلاقات الدولية. وقد زادت من شدة الخلافات بعد التدخل التركي في الشأن السوري ومحاولة اسقاط نظامها السياسي ودعم القوى الارهابية والوقوف الى جانبها.
هذا اذا ماعلمنا ان وجود روسيا في سوريا أمر ليس مفاجئا ولها وجود عسكري من قواعد جوية وبحرية واتفاق دفاع مشترك بين الدولتين ، رغم ذلك فقد عملت روسيا منذ بداية الأحداث في سوريا إلى محاولة التوفيق بين النظام والمعارضة ،واحتضنت العديد من الاجتماعات لكل الاطراف من المعارضة والحكومة في هذه الفترة العصيبة التي مرت و تمر بسورية .روسيا رغم كونها ليست ضد النظام منذ البداية لكنها لم تقاطع الاتصال بالمعارضة بل هي البلد الوحيد حتى الآن الذي كان يستطيع أن يجلس إلى النظام والمعارضات بمختلف أصنافها ما عدا "داعش" وجبهة النصرة والمنظمات الارهابية الاخرى بالطبع . مع الاخذ بنظر الاعتبار ان المعارضة السورية تقبل دعوات الروس وتستجيب لها .
وبلا شك أن خطوة موسكو كانت طياً لكل المرحلة الماضية، وبدءاً لمرحلة جديدة لن يعود معها التلاعب بالتوازنات رهينة لرغبة رئيس غربي طامح لإبرام صفقات تسلح مع هذه الدولة النفطية أو تلك، ولا هدفاً لحكّام إقليميين يريدون تصفية حسابات مذهبية أو قومية مع دول تختلف معها في التوجه والانتماء المذهبي أو القومي.
قد يرى البعض أن التدخل العسكري الروسي قد جاء متأخراً، وكان يجب أن يحصل قبل الآن. لكن روسيا فلاديمير بوتين كانت الوحيدة التي كان لها علاقات واتصالات مع جميع أفرقاء الصراع من المعارضة السورية إلى القوى الإقليمية والدولية.
وما الذي يمنع اذا مادخلت روسيا بتاريخها العريق ومصالحها المتنوعة في المنطقة الحرب ضد الارهاب اليوم كما دخلت الكثير من الدول تحت ضل تشكيل تحالف دولي ضد الإرهاب وفق قرارات مؤتمر جدة و نزلت إلى الساحة الجوية في سوريا كل الدول من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وأستراليا إلى العديد من الدول الخليجية والأردن وما شابه.
عندما قررت روسيا بزعامة فلاديمير بوتن أن تحشد بحرا وتقصف جوا المعارضة السورية المتشددة وغير المتشددة كانت مرتاحة إلى أن المجتمع الدولي لن يستطيع أن يعارض هذا التدخل خصوصا أن روسيا جاءت متأخرة إلى ساحة الحرب ضد الإرهاب كما اسلفنا .اذاً ما الداعي من ان تشعر تركيا بمرارة شديدة من التدخل العسكري الروسي في سوريا، فقد باتت تحس بأنها في مواجهة مباشرة معها في سوريا، ولعل ما يزيد من شعورها بالمرارة هو إحساسها بالطعن من قبل حلفائها الغربيين إزاء الأزمة السورية، خاصة وأن اقتراحها بإقامة منطقة أمنية عازلة لم يلق التجاوب من قبل الغرب . ولقد دفنت هذه الفكرة نهائيا و التي لم تنجح تركيا منذ بداية الحرب السورية أن تترجمها على الأرض.
كما اعلن بوتن أنه جاء إلى سوريا تلبية لدعوة من الرئيس السوري بشار الأسد، يعني أن بوتن أصبح الآن في موضع المدافع الأول عن الأسد وعن النظام، وأي محاولة لإسقاط النظام تعني الصدام مع روسيا، وروسيا لم تنزل إلى الساحة لكي تخرج مهزومة خصوصا أنه المعقل الأخير لها على المتوسط، هدف إسقاط النظام يبدو الآن من أنقرة أكثر صعوبة إن لم يكن بات مستحيلا.روسيا لم تنزل إلى الساحة السورية لمجرد ضرب المجموعات التي ترى أنها إرهابية. وهي معركة رسم حدود التوازنات في المنطقة وفي العالم. وليس من انفصال لماجرى في أوكرانيا وبين سوريا ولا العراق ولا اليمن. وعلى ما يبدو فإن بوتن لم ينزل إلى الميدان ليخرج منه خاسرا. بل هي معركة وجود وحضور القوة الروسية في العالم بعدما لم يعد لديها سوى سوريا على الشاطئ المتوسطي وهي حرب استباقية حتى لا تنتقل شرارة الإرهاب إلى داخلها في حال انتهت الحرب السورية لصالح الخصوم. ويجب ان تعلن تركية خسارتها مبكراً قبل فوات الاوان. والكف عن المهاترات ومعالجة وضعها الداخلي المضطرب .