لست في معرض الحديث عن الجمل وأسرار خلقته النفسية والبدنية وطريقته في العيش والحياة وانما اود هنا ان اسجل لحالة قديمة حديثة استخدم الجمل فيها لإحداث حالة من التغيير تبعا لنفسية المغيّر واخلاقه ، ففي الوقت الذي يستخدمه المصلحون في احداث حالة الاصلاح ، ترى غيرهم يستخدمه لاحداث التغيير اللامشروع والارباك المقصود لإثارة عوامل الهرج والمرج في المجتمع بالرغم من الوداعة والالفة التي يشعر بها الناظر الى البعير .
حالة واحدة سجلها البعير على نفسه ، انه اذا هاج يصبح اعمى ولا يلتفت للمكان الذي يضع فيه قدمه ، ايضا للبعير هالة من القداسة يشعر بها العربي المسلم بعد ان نقلت الاخبار ان الرسول الاكرم ترك للبعير ان يختار الموضع الذي يشاد عليه اول مسجد في الاسلام.
وبهذا يكون للجمل كما لكل حيوان صفات خلقية (بفتح الخاء) وميزات نفسية مختلفة ومتناقضة ايضا ، ليكون الخيار متروك للانسان في كيفية توظيف هذه الصفات وتلك الميزات ، ومن حيث لا نشعر نجد اننا ابتدأنا بالجمل لكننا اصبحنا مرغمين للدخول في عالم الاخلاق وطبيعة النفس البشرية ليكون الانسان هو المسؤول الاول في توجيه الحيوانات الداخلة في رعايته والجمل منها .
نبينا الاكرم (ص) استخدم البعير ليكون سببا لنزع اول فتيل صراع كاد ان يعصف بعاصمته ويؤجج نيران الحرب بين اهم قبيلتين فيها هما الاوس والخزرج ذلك الصراع الذي كاد ان يقبر اول انطلاقة للاسلام بعيدا عن مكة وجاهلية اهلها .
نقل لنا التأريخ استخدام السيدة عائشة زوج النبي (ص) للجمل لسوق رعاع العرب الى معركة واجهت فيها الشرعية المتمثلة بالخليفة الرابع الامام علي بن ابي طالب (ع) ولشدة حضور الجمل في تلك المعركة حيث حمل على ظهره قائدة (الرعاع) فصار ذلك الحيوان رمزا لهم ، فما ان عقر ، حتى حسم الصراع وصار النصر من نصيب القائد الشرعي للامة فطويت صفحة تأريخية مظلمة كان الجمل فيها حاضرا مرغما لكنه صار اعظم الخاسرين ، حيث فقد هالة القداسة التي ورثها من جمل المدينة .
بقيت في الاذهان صورة جمل السيدة عائشة بسبب حضوره في تلك الفتنة وذلك التمرد ، فتحمل هذا الحيوان المسكين عار ذلك اليوم الاسود الذي لم يكن ذنبه غير انه كان اداة طيّعة بيد عقول شريرة .
فلم يرحم التأريخ جمل عائشة خاصة وان الاعلام الاموي المأجور سلط الاضواء وبشكل مقصور على صورة الجمل ليُغيّب صورة الجمّال ، وهذه واحدة من اساليب الشيطنة الاعلامية التي يتبعها الان الاعلام الحديث ، ففي العراق مثلا غابت كل فصول الاجرام البعثي عن الاذهان لتحل محلها صورة البعثي الـ ( مسكين ) الذي طرد من وظيفته وقطعت لقمة عيشه ، غابت صورة صدام المجرم الذي قتل اكثر من مليون ضحية من ابناء شعبه فضلا عن حروبه مع ايران وغزوه الكويت ليضيف مليون ضحية اخرى تحملها الشعب العراقي ، كل هذه الصور الاجرامية يحاول الاعلام المأجور ان يغيّبها عن الاذهان ليُحل محلها صورة ( المحتل ) الامريكي الذي اجتث اصول ذلك النظام .
كذلك اليوم في مصر يتحمل الجمل المصري الوديع الذي شاعت صورته في مجلات السياحة واعلانات شركات السفر وهو منتصب برأس مرفوع قرب اكبر اهرامات الجيزة الشهيرة ليحصد مليارات الدولارات لميزانية اكبر بلد عربي من حيث السكان ، الجمل في مصر ذاع صيته واطبق على الافاق ذكره في عار ما بعده عار يتحمله نظام الاستبداد والدكتاتورية المتمثلة بحسني مبارك وعائلته الحاكمة ولم يكن للجمل ذنب غير انه كان اداة طيّعة بيد الاشرار من حكام السؤء .
مالذي نريدة من ذكر الجمل دون العقل الشرير الذي استخدمه ؟
ترى هل سنحرر الجمل ونرفع عنه عار الجمّال ؟!
ام نبقى اسارى الاعلام الموجّه ؟!!