في إحدى الأسئلة التي كانت توجه إلى الفقيه الميرزا التبريزي (قدس سره) لا سيما من قبل الطلبة الشباب هي: ماذا نصنع لنكون من الموفقين في حياتنا فنستغل هذه الدنيا ونستفيد منها كامل الاستفادة، وتكون جميع حركاتنا وسكناتنا في رضا الله وأهل البيت (عليهم السلام) وبالرجوع إلى أجوبة الفقيه الراحل عن تلك الأسئلة يمكننا الإشارة إلى بعض النكات المستفادة منها وهي كالتالي:
- الاهتمام بالتكليف الشرعي: فعلى الانسان ابتداءً إعطاء أهمية خاصة لواجباته فيؤدي فرضه على النحو الأحسن، ولا يتهاون في أدائه وهي الخطوة الأولى لكسب التوفيق والارتباط الغيبي.
- التورع عن المعاصي: بحيث يجعل من تقوى الله ميزاناً له في أعماله وأقواله، فلا يرتكب المعصية لأجل حطام هذه الدنيا، فربما يقنع الإنسان نفسه باقتراف الذنب على أمل الاستغفار والتوبة فيلتجأ إلى الكذب مثلاً والعياذ بالله في حين أن نفس تلك المعصية تسلبه التوفيق وتؤخر تقدمه نحو المكاسب المعنوية، فإن الشيطان في مكمن لكم يحاول أن يعطيكم التبريرات عبر وساوسه حتى يجركم إلى المعصية، فعلى الإنسان أن يطيع أوامر الله بكل إخلاص ولا يقدم المكاسب واللذائذ الدنيوية على طاعته.
- المحبة الحقيقية لأهل البيت (عليهم السلام): يقول تعالى (وابتغوا إليه الوسيلة) وأهل البيت مصداقها البارز، فهم سفن النجاة، نجا وفاز كل من تعلق بحبلهم وتوسل بهم في الدنيا والآخرة، وكل من أراد أن يكون موفقاً في أموره (لا سيما الطلاب) فعليه أن يغرس في قلبه المحبة الحقيقية لأهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله) ويقف بوجه الذين يلقون بالشبهات من هنا وهناك ليضللوا عوام المؤمنين ويثبت إيمانه وإخلاصه ومحبته لهم ليكون قدوة للآخرين يعتبر منه كل من يراه.
- الابتعاد عن ظلم الآخرين: على الإنسان أن يجتنب إلحاق الظلم بالآخرين فإن الامتناع عن ظلم الآخرين له دور رئيسي في نيل التوفيق والكمالات، إن الله يغلق أبواب الرحمة أمام من يظلم الآخرين، ويسلبه التوفيق، وللظلم مراتب؛ فأحياناً يكون من إيحاءات الشيطان بأن هذا ليس ذنباً مهماً فلا يترك أثراً في حين أن نفس هذا العمل له أثره الوضعي ويجر الإنسان نحو الهلاك، فإذا أراد الإنسان اكتساب التوفيق عليه أن يترك الأمور التي يشعر بأن فيها ظلم للآخرين.
والخلاصة: ليشتغل بتربية نفسه ولا يتدخل بشؤون الآخرين.
- الجد في التحصيل: أن يكون الدرس كل همه ولا يغفل عن تقوى الله، على الطالب أن يجدّ في درسه حتى يكون مؤثراً، إن قيادة المجتمع وهدايته في أيد طلاب العلم فإن قصروا في تلقي العلم فإنه إضافة إلى أنهم مسؤولون عن ذلك أمام الله تعالى لن يكون لهم تلك الخدمات المؤثرة في المجتمع، وعليه أن تكون دراسته بحيث كلما انتهى من درس يستطيع إلقاءه، فإذا ما جد في درسه والتزم التقوى وصل إلى درجة عظيمة يقيناً وسيوفق لخدمة الدين والمذهب.
إن المثابر في الدرس والجد في تلقي العلم والتزام التقوى إلى جانبهم نور إلى سعادة الدنيا والآخرة، والله يزيد من توفيقات عبده المطيع الذي لا قصد له سوى خدمة الدين، المجد في دراسته وتهذيب نفسه
- الجليس الصالح: من الأمور التي لها دور أساسي في البناء الذاتي الجليس الصالح لا سيما لطلاب العلم الذين يريدون أن يكونوا مبلغين لدين الله وعارفين لأهل البيت (عليهم السلام)، فالإنسان يفقد روحيته ومعنوياته مع مرور الزمان بمجالسته لرفيق السوء وتنزل منه النورانية تدريجاً ثم لا تساعده الفرصة للاستدراك لا قدر الله، لذا عليه أن يشاور المعروفين بتحصيلهم وتدينهم من بداية مشروعه الدراسي، وإن لم يكن بنفسه من أهل التشخيص فعليه أن يستعين بأهل الفضل، وأن يكون له رفيق من عمره في مباحثاته وبقية أموره، فالإنسان بحاجة إلى رفقاء يمكنهم إفادته علمياً إضافة إلى إفادته في بذل المشورة والنصيحة ومجالسته لهم أوقات فراغه، وعليه الحذر من صرف أوقاته لا قدر الله في أشياء هامشية لا طائل من ورائها واجتناب الأمور التي تعتم قلب الإنسان، وكثرة المزاح ككثرة الملح في الطعام، على الطالب أن يكون كلامه متقن وموزون فلا يتكلم بكل ما يخطر بباله، بل عليه أن لا يتكلم إلا بعد تفكير وانتفاء للكلمات الصالحة، فإذا كان مراقباً لأعماله ملتزماً جانب التقوى فقد ضمن سعادته.
- اغتنام الفرص: إن رمز موفقية الانسان تكمن في اغتنام الفرص، فإذا ما أراد الامسان لا سيما طالب العلم أن يكون له مستقبل موفق عليه أن يستغل جميع الفرص ويستفيد منها (فاغتنموا الفرص فإنها تمر مر السحاب).
- الارتباط الروحي: إذا أراد الانسان أن يكون موفقاً في عمله عليه بداية أن يتقن أداء تكاليفه الشرعية ولا يغفل عن الدعاء والذكر ليقرأ الأدعية المعروفة ولا يتخلف عن قراءة الأذكار التي من جملتها الصلوات والاستغفار.
وعليه أن يقوم ببعض الأعمال لتقوية ارتباطه الروحي كصلاة الليل لكن بشكل تدريجي وذلك حتى لا يشعر بالملل والتعب في هذه الأعمال المستحبة التي عليه أن يأتي بها بنشاط وهمة عالية، فإذا ما تدرج بالعمل ولو كان قليلاً فإنه سوف يستمر عليه بينما الإكثار من المستحبات والعجلة فيها يمكن أن تتعب البعض وربما سلبته توفيق الاستمرار على ذلك العمل، فالشاب إذا تدرج في العمل المستحب عليه فانه يكتسب نورانيته خاصة، البعض يفرط في أداء المستحبات وقد اثبتت التجربة أنهم لا يوافقون للاستمرار في ذلك وسرعان يتعبون منها ويتركونها.
- التوكل: من الأمور المهمة المؤثرة في رقي الانسان وتقدمه مسألة التوكل، فإذا ما كان العمل خاصة لوجه الله مقترباً بالتوكل عليه تعالى كان ذلك موجباً لسعادة الدنيا ولآخرة، فالإنسان المؤمن المتدين إضافة إلى اخلاصه بالعمل لله عليه أن يطلب أجره منه تعالى وسيتلطف الله به وإن التوكل أفضل غنيمة تعين الإنسان وتوفقه لاكتساب الروحانية وارتقاء الدرجات.
- التخلق بالأخلاق الحميدة: الابتعاد عن الغرور والتخلق بالأخلاق الحميدة كالتواضع، فعلى الإنسان الابتعاد عن الغرور والكِبر في جميع مراحل حياته وأن يطلب من الله تعالى بالتوسل بأهل البيت (عليهم السلام) وأن لا يقع في فخوخ الشيطان تلك، وأن يجعله من عباده الصالحين الحائزين على رضا إمام الزمان (عليه السلام) ببركة التواضع وتقوى الله تعالى، لا سيما الطلاب عليهم أن لا يغتروا بمعرفتهم لعدة مصطلحات علمية بل عليهم أن يجعلوا التقوى نصب أعينهم، ويطلبوا من الله تعالى أن لا يكلهم إلى أنفسهم طرفة عين أبداً.
المصدر: التبريزي، جواد، آداب المتعلمين والمسترشدين، ص25-32.