كلام مشهور منسوب لامير المؤمنين عليه السلام وارد في "نهج البلاغة".. والكلام فيه حِكم كثيرة.. كما ان للاداب مساحات واسعة.. فهناك الاداب الدينية والصلاة واداب الاطفال واداب الكلام والسلام واللباس والطعام والفرح والحزن، ومئات القضايا غيرها.. وهنا يجب –حسب فهمنا- عدم قسر الامور على الابناء والاولاد، فقد يكون الشرح والصداقة وكسب الثقة والافهام وتفهم ظروفهم انسب من القسوة والقسر والفرض.. بل قد يكون فهم الاولاد لظروفهم وازمنتهم اقرب من فهم الاباء لها.. وهو ما يتطلب التعلم وادراك الحقائق الجديدة. وهناك مباحث طويلة في كل هذه القضايا اترك لمن هو اقدر مني الخوض فيها.
نستثمر مفهوم تغير الازمان لفهم بعض الاوضاع في واقعنا الراهن. فاذا اخذنا التغيير عام 2003، كسنة قياس.. فالحقيقة هي ان من كان عمره 12 عاماً انذاك بات عمره الان 25 عاما.. وان هذه الشريحة تشكل الجزء الاكبر من الشعب العراقي اليوم. هذه الشريحة لم يتشكل وعيها العملي ولا ذاكرتها السياسية على سنوات الحروب الكبرى مع ايران والكويت وخلال الانتفاضة واجتياح العراق.. او كردستان او الاهوار.. ولم تعش الانقلابات العسكرية وقصف الطائرات الاجنبية لبغداد ومناطق كثيرة من العراق.. ولم تعش اعتلاء المجاهدين والمناضلين اعواد المشانق وحفلات التعذيب والاغتيال والسجون.. ولم تعايش الحصار والعقوبات ومنع السفر.. وزج الشباب بعد تخرجهم من الجامعات الى جبهات القتال.... نعم هذه الشريحة شاهدت التفجيرات والانتحاريين و"القاعدة" و"داعش".. كما شاهدت العصابات المسلحة والاحتلال والتجربة الجديدة بكل فوضاها وتناقضاتها.. شاهدت الموت باشكال جديدة مخلوطاً بانتخابات وحريات عامة وانتقادات حادة للحكومة او للمسؤولين وهم يتمتعون بالامتيازات والذين كانوا قبل جيل قدوة ومثالاً لغيرهم.. شاهدت الاموال الكثيرة تنهال على البلاد تقابلها البيوت العشوائية ونقص الخدمات وارتفاع معدلات البطالة.. فنحن اليوم امام ظاهرة، كثرت فيها التناقضات والعوامل السلبية.. ظاهرة كان الضحية الاكبر فيها الشباب واجيالنا الصاعدة.. ظاهرة لا تحل بوعي او سلوك خاص من داخلها، ولا بعقل قديم من خارجها. وهو ما يسبب هذا القلق والضياع والاحباط الذي نشهده لدى قطاعات واسعة.. يقابله ارتباك من القيادات والقوى السياسية وصعوبات في فهم شعبنا وما يعاني منه.
لقد مرت بلدان عديدة بتجارب مشابهة، ولم تنجح اي منها بقسر سلوكيات سابقة على سلوكيات الظاهرة الجديدة.. لم تتقدم وتعيد اللحمة الاجتماعية، وتولد ديناميكيات التواصل بين الاجيال سوى بتشجيع تجارب جديدة ناجحة، تغري الشباب وتشدهم الى واقع جديد طموح وواعد.. يولد وعياً جديداً مسؤولاً وملتزماً.. تتولى فيه المدرسة والبيت والعلماء وبيوت العبادة والقوى السياسية ووسائل الاعلام وصناعة الراي العام دوراً متفهماً اولاً وبناءاً وايجابياً ثانياً. لم تنجح الا بالاقناع والصداقة والصبر.. لم تنجح الا باعادة تركيب الذاكرة الجمعية لتلتقط كل ايجابي من الماضي.. وبناء حاجز ضد كل شيء سلبي فيه.. لم تنجح الا بقبول بعض المخاطر والنتائج الضارة الجزئية لتحقق فوائد ونجاحات كلية. فهي لا تستطيع ان تقسر فقط ما اعتادت عليه او ما تراه صحيحاً.. فلا خطر كبير ان يستمر الناس بلباسهم الجميل وعاداتهم التقليدية، او ان يلجأوا لاستحداثات جديدة، لم تكن مقبولة سابقاً.. ولا خطر كبير ان تكون لنا عادات عشائرية تتعايش مع عادات معاصرة.. فالاهم في ذلك كله ان تبقى معاني الصلاح والاخلاق والفضيلة هي الاساس. كما لا تناقض ان يتشارك المسلمون والمسيحيون او غيرهم في افراح واتراح بعضهم، وفي ان ينزل ملايين الشباب في زيارات الاربعين، او ان يذهبوا الى المساجد والحسينيات ومجالس العزاء، او ان يحتفلوا بالسنة الجديدة او باعياد هي من عادات شعوب اخرى، فيشجع منها الايجابي وينزع منها السلبي. لا عيب، فان كان هناك من تناقض، فان الحياة ستعيد هضم كل هذه الامور في عادات جديدة تقبلها الاجيال الحالية، لتتخلى عنها اجيال لاحقة خلقت لازمان غير تلك.. فلقد حافظنا على هويتنا وديننا خلال مئات والاف السنين، وهي تنتشر اكثر من اي وقت مضى.. فلابد من الصبر وحسن التعامل وتفهم ما يجري واستيعابه، فلطالما هضم الجديد القديم، ولطالما تعلم الجديد كيف يأخذ من القديم كل صالح واصيل.