عاجل:
مقالات 2023-10-13 16:10 943 0

في ذكرى رحيله

أبو يوسف مرجع الطائفة الشيعية الإمام السيد محسن الطباطبائي الحكيم (قدس سره)، ولد عام (1306 هـ) في اليوم الأول من شهر شوال.

المقالات المنشورة تعبر عن وجهة نظر أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع

النسب والنشأة:


ولد في أوساط عائلية علمية حيث كان والده آية الله السيد مهدي الحكيم (قدس سره)، أحد الأعلام في الحوزة العلمية العربية في النجف الأشرف.
كما كان زوج أخته العلامة السيد أحمد الحكيم (قدس سره) احد الأعلام العلمية في الأوساط الاجتماعية العراقية، خصوصاً في أوساط الشيعة المؤمنين في بغداد (الكرخ).
بدأت حياة الإمام الحكيم (قدس سره) باليتم، حيث فارقه والده وهو في السنتين الأوليتين من عمره، وتوفي عنه والده في بلاد الهجرة، بل في (جبل عامل) في بيروت عام (1312 هـ) وعمره آنذاك ست سنوات، وتركه مع والدته وأخيه الأكبر آية الله السيد محمود الحكيم (قدس سره) الذي كان يكبره بعشرة سنوات، لتتولى الأم والأخ الكبير تربيته ورعايته، في ظروف معاشية وعائلية صعبة؛ ولذا بدأ حياته إنسانا مجاهدا لنفسه، وفي مجتمعه، وكان عليه أن يختار نهجه، ويشق طريقه معتمداً على الله سبحانه وتعالى، وعلى النفس، والإدارة وحسن الاختيار.
ويبدو أن الأجواء الروحية والمعنوية الى خلفها والده وراءه، وكذلك أصحابه، كان لهم دور في هذه الرؤية، والتصميم، والاختيار، إذا لاحظنا بدقة طبيعة المنهج العلمي والسلوط الأخلاقي والعلاقات الاجتماعية التي كانت تحيط الإمام الحكيم (قدس سره) في بداية شبابه.
فوالده أول مبادر للتفرغ للعلم في العائلة بعد فترة من الزمن؛ ولذا اصبح أولاده الثلاثة الصغار الذين تركهم من أهل العلم والمعرفة والتقوى والصلاح، وكانوا في الوقت نفسه يتميزون بالسلوك الأخلاقي الرفيع، والدرجة العالية من الطهارة والنقاء والتقوى.

أثر اليتم في شخصية الإمام الحكيم (قدس سره):


قد لا يكون من الصدفة والاتفاق، ان الأنبياء من أولي العزم كانوا يتصفون باليتم، كما نلاحظ ذلك في ابراهيم، وموسى، وعيسى، ونبيّنا محمد (ص).
بل قد يكون اليتم سراً من الأسرار الإلهية، التي تمنح شخصية النبي عنصراً نفسياً تكاملياً، تجعله قادراً على الاعتماد على النفس، وتحمّل المسؤوليات الضخمة التي لابد له من القيام بها.
والإمام الحكيم (قدس سره) يبدو أن اليتم كان له دور مهم في تكوين الجانب النفسي والذاتي في شخصيته، حيث فقد أباه واقعياً في أول عمره الشريف؛ بسبب هجرته البعيدة، ثم وفاته بعد ذلك وعمره ست سنوات، ولم يرَ أباه إلا في اشهر قليلة، كانت هي اشهر رجوعه الى العراق أثناء هجرته.
ويمكن أن نلاحظ المعالم التالية في شخصية هذا اليتيم، وسلوكه والتي تعبر عن الاعتماد على النفس بعد الله تعالى:


الأول: الحرص على القيام بأعماله بنفسه:
كان الإمام الحكيم (قدس سره) يحرص على القيام بأعماله بنفسه إلى أقصى حد ممكن، وحتى في التفاصيل الصغيرة، حيث كان هذا الاتجاه الروحي ملازماً لشخصيته إلى آخر أيام حياته.
فقد كان يقوم بالبحث، والتدريس، والمراجعة، والكتابة، والتصحيح لكتاباته، دون أن يكلف أحداً من طلابه، أو ذويه حتى في أيام شيخوخته ومرجعيته.
وقد كتب كل هذه المؤلفات الكثيرة، دون أن يكلف أحداً باستنساخها أو بمساعدته.
وعندما اتسعت دائرة الأعمال؛ بسبب المرجعية، كان يقوم بعض مساعديه في إنجاز بعض الأعمال ذات العلاقة بمرجعيته، ولكن كان يقوم هو بنفسه ـ أيضاً ـ ببعضها، بالقدر الذي يتسع له وقته، وفي جميع هذه المجالات دون أن يتخلى عن بعضها.
كما كان ـ أيضا ـ يحاول أن يعتمد على نفسه في قضاء حاجاته الخاصة، ويتجنب إلى أقصى حد تكليف الآخرين، أو الطلب منهم في قضاء هذه الحاجات، وحتى في زمن الشيخوخة، لم يتخل عن هذا الاتجاه النفسي، حيث كنت ألاحظ ـ مثلاً ـ انه كان يعد بنفسه كأس الليمون الحامض، الذي وصفه الأطباء له، كشراب مفيد.
كما انه كان يبادر بنفسه لشرب الماء، ونحن جالسون حوله، دون أن يطلب منا تحضير الماء، وهو شيخ تجاوز السبعين.
وكان يعد بنفسه فراشه، وأدوات الكتابة، وأقلام القصب، أو ملء القلم بالحبر، او غير ذلك من الأمور البسيطة والدقيقة، دون أن يكلف أحدا بذلك، حتى خدمه، أو أولاده.
وفي هذا الاتجاه كنت ألاحظ حرصه ـ والى أواخر أيامه ـ على أن يباشر بنفسه دفع بعض مساعدات الفقراء والمحتاجين.
وكذلك المساعدات المنظمة التي كان يقدمها بنفسه للطلبة الضعفاء، وعلى شكل رواتب، أو في مقاطع زمنية، أو عن طريق مساعديه، وقد كان يقوم بهذه الأعمال بنفسه ـ أيضا ـ تجاه عامة الفقراء، حيث كان يحتفظ في جيوبه المتعددة بكمية من المال دائماً مقسمة عليها، ويقدم منها المساعدات.
كما كان ـ أيضا ـ يباشر بنفسه الاستفسار، والسؤال عن الشؤون الشخصية للأشخاص الذين يلتقون به، من طلاب العلوم الدينية، أو الشخصيات، أو الكسبة.
كما كان يعطي وقتاً مهماً للقاء، والاتصال بالناس بشكل مباشر، حيث كانت له أوقات ثلاثة تمتد لعدة ساعات في الصباح، والعصر، والليل، بالإضافة إلى التزامه بصلاة الجماعة، والحضور في المجالس العامة، كالمجالس الحسينية، ومجالس الفاتحة، وغيرها من المناسبات، ثم تقلص هذا الوقت مع كثرة الأعمال والمسؤوليات، وعندما تقدم به السن بقي ملتزماً بوقتين إلى أواخر أيام حياته، وحتى في فترة احتجابه في منزله بالكوفة.


الثاني: قوة الإرادة:
لقد كان الإمام الحكيم (قدس سره) يتصف بقوة الإرادة، والقدرة الفائقة في السيطرة على عواطفه، وأحاسيسه، وأعصابه، ما يجسد في جانب من هذه الصفة: الاعتماد على النفس، وفي جانب آخر: الدرجة العالية من جهد النفس، وعنصر التقوى.
وقوة الإرادة عندما تكون في السيطرة والضبط للنفس، واتجاهاتهم أمام ما هو محرم وممنوع شرعاً، تكاد أن تكون أمراً طبيعياً في الإنسان الصالح المتقي، فضلاً عن الصالحين من المستوى الخاص، كالإمام الحكيم (قدس سره) ولكن عندما تكون قوة الإرادة في السيطرة على النفس في الأمور المباحة، من أجل الوصول إلى المستوى الأكمل في حركة النفس الإنسانية، وكتعبير عن المعاني، والمثل، والكمالات الإلهية، تصبح قوة الإرادة ذات مضمون آخر في شخصية الإنسان.


الثالث: تربية الأولاد والأبناء:
لقد أنعم الله تعالى على الإمام الحكيم (قدس سره)، فرزقه عشرة أولاد ذكور، وأربع إناث من زوجتيه، وقد أعطى الإمام الحكيم (قدس سره) الكثير من وقته واهتمامه؛ لتربية ذريته وأهل بيته، في محاولة لتجسيد المسؤولية تجاه الأهل والأولاد في هذا العمل، بالرغم من أن ابتلاءه بتربية أكثر ذرته كان بعدما أشرف (قدس سره) على سن الشيخوخة، وأصبح من مراجع الإسلام، الأمر الذي يجعله تحت ضغط الاهتمامات بالقضايا العامة.
وكان هذا الموضوع من القضايا ذات الأهمية الخاصة في السيرة الذاتية للإمام الحكيم (قدس سره) من ناحية، وفي عمله المرجعي العام من ناحية أخرى.

معالم التربية عند الإمام الحكيم (قدس سره):


لقد كان (قدس سره) في موضوع التربية يستهدف بشكل عام وإجمالي بناء الشخصية الإسلامية بأبعادها المختلفة، بحيث يكون نتاج هذه التربية ومحصلتها الإنسان الصالح، الذي يسير في طريق الكمالات الإلهية ذاتياً، ويتحمل مسؤولياته تجاه المجتمع الإنساني، ويكون قادراً عل الانسجام والحركة والتأثير، ضمن هذه الجماعة، سواء في دائرة الأسرة أم دائرة المجتمع الكبير.
ومع قطع النظر عن مدى استقبال موضوع التربية (الإنسان)، لهذه الأهداف فان مسؤولية المربي أن يهتم بهذه الأبعاد في هذا الموضوع، ويبذل جهده من خلال المنهج الصحيح لتحقيقها.
وفي هذا المجال نلاحظ الأبعاد التالية، التي كانت تمثل رؤية الإمام الحكيم (قدس سره) في تربية أولاده:
أولاً: الاهتمام بشكل خاص بتربية أولاده على روح التقوى الحقيقية، من خلال التأكيد على عناصر (الصدق) و(الأمانة) و(الورع) عن محارم الله، والالتزام بالوظيفة الشرعية والحكم الإلهي، و(تحمل المسؤولية) تجاه الأمة، وقضاياها المصيرية، وتجاه الحوزة العلمية والطلبة، وقضايا الناس وحاجاتهم الحياتية.
وكان الإمام الحكيم (قدس سره) يؤكد بشكل أساسي على ثلاث نقاط رئيسية في هذا المجال:
1ـ الإخلاص لله تعالى في العمل، وتوخي رضاه.
2ـ المصلحة الإسلامية، وما يهدي إليه العقل والحكمة، وكان يقول بهذا الصدد: إذا عرضت عليك قضية، ورأى عقلك فيها المصلحة والفائدة، فاعرضها على دينك فإذا رضي بها فافعلها وإلا فاتركها. فهو يرى: أن أساس حركة سلوك الإنسان هو العقل والمصلحة. ولكن في أطار الشرع، والحدود الإلهية.
3ـ رضا الناس وموقفهم من العمل ومراعاة مشاعرهم وعواطفهم، فالمباح قد يتحول الى محظور ومحرم عندما يكون في نظر الناس مرفوضاً أو منكراً.
4ـ وقد كان لهذا الاهتمام الخاص بهذا البعد، أثره البالغ في الأوضاع الروحية، والاجتماعية، والممارسات العامة، والخاصة لأولاده، حيث كان هذا البعد معروفاً بشكل عام في الأوساط الدينية، العامة، والخاصة، التي كانت ترتبط بمرجعية الإمام الحكيم (قدس سره)، وحركته السياسية والاجتماعية، وتشهد به عامة هذه الأوساط، ويذكر كأحد الامتيازات، التي تفضل بها الله تعالى على هذا المرجع الكبير.

كما أن أكثر أولاد الإمام الحكيم (قدس سره)، كانوا يتولون مختلف المسؤوليات العلمية، والدينية، والاجتماعية في مرجعيته، ويتصدون لأعمالها، وتحملوا الكثير من الآلام والمحن من أجل ذلك،  وكانوا جميعاً في معرض الأخطار والآلام، بل تعرض أكثرهم للسجن والاعتقال والتعذيب والشهادة في سبيل الله تعالى.

وفي مجال التقوى والورع، أشير إلى بعض الأمثلة الجزئية في تربية الإمام الحكيم (قدس سره)، ولكن لها دلالتها الكبيرة من خلال ملاحظتي الاجتماعية العامة:
1ـ كان (قدس سره) يحتفظ بالنقود، والأموال الجزئية، التي نحصل عليها في الأعياد والمناسبات، وهي وأن كانت جزئية ومحدودة جداً، ولكنه كان ملتزماً عندما تمضي عليها سنة، كان يخرج خمسها، وأحيانا يعوض هذا الخمس بعد إخراجه، احتياطاً للأطفال، ولتربيتهم على هذا الواجب الإسلامي المهم، وهو الخمس، وزرع وازع التقوى في هذا المجال في نفوسهم.
2ـ عندما يبلغ أحدنا سن التكليف، كان يأمره بالتوبة، وإخراج رد المظالم عن الأموال التي كان قد أتلفها في صغره، أو تجاوز عليها.
3ـ الأمر بالالتزام بالحجاب التام، والدقيق في المنزل بين نساء الأسرة، كزوجات الإخوة، وبنات الأعمام، والأخوال، والأقارب، الذين يسكنون في دار واحد، أو يترددون عليها، بصورة كانت تتميز به هذه العائلة من بين العوائل المتدينة، فضلاً عن غيرها.
4ـ كان يحتاط في مزاحمة الزوار في العتبات المقدسة أو كفهم عن طريقه؛ لأنه كان يتورع عن إيذائهم شرعاً، ومن ناحية معنوية.
5ـ كان يحذر من إحداث أي ضوضاء أو صوت عند القيام لصلاة الليل؛ لأنه كان يتورع عن إيقاظ النائمين، وهم أهله وأولاده.
6ـ عندما تأتيه الأموال كان يضع كل نوع في ظرف خاص به؛ لئلا يختلط المال مع غيره، ويصنفها، حذراً من الاشتباه والالتباس، وهنا أنا لا اتكلم عن مسألة العبادات، وصلاة الليل، والدعاء؛ لأن هذه المسائل معروفة ومن شأن علمائنا العظام، لكنه كان على درجة عالية جداً من الاحتياط في كل المسائل، حتى في القضايا المرتبطة في البيت.
ثانياً: التأكيد على طلب العلوم الدينية، والقيام بالوظائف الشرعية في مجال التدريس، والتعليم والتبليغ الإسلامي، حيث نلاحظ أن جميع أولاده (قدس سره) قد تفرغوا لطلب العلوم الدينية ومارسوا التدريس والتبليغ، وبلغ بعضهم درجة الاجتهاد وأعلى مراتب التدريس في الحوزة العلمية.
كما أن هذا الاتجاه والاهتمام بتحصيل العلوم الدينية، تحول إلى طابع عام للأسرة كلها في زمن الإمام الحكيم، وبعده ـ بشهادة كل من عرف أبناءها ـ حتى أصبحت أسرة آل الحكيم من أكثر الأسر العلمية عدداً، وأبرزها علماً، وعليها كان يعتمد مدار التدريس إلى حدٍ كبير في الحوزة العلمية في النجف الأشرف، وقد شهدت فيه البيوت والأسر العلمية المعروفة، ضموراً ملحوظاً في هذا المجال، كاد أن يهدد وجود بعضها بالانقراض.
بل أن هذا الاتجاه في هذه الأسر، كانت له انعكاسات ايجابية على الأسر العلمية الأخرى المعروفة، حيث نشط فها هذا التوجه، وأخذت تنمو بهذا الاتجاه من خلال علاقتها، وارتباطها، بالإمام الحكيم (قدس سره)، ومرجعيته الدينية، كما يلاحظ ذلك في الأسرتين العربيتين المباركتين آل بحر العلوم، وآل الجواهري.
ثالثاً: بناء المكونات الأساسية للشخصية التي كان يراها في حرية التفكير، والاستقلال في الإرادة، والتوكل على الله تعالى، والاعتماد على النفس، وحسن الخلق في المعاشرة، والأدب الرفيع في التعامل مع الآخرين، والتواضع في العلاقات والنظرة الواقعية للأشياء، والاستعداد للتضحية، والفداء في أداء الواجب، أو خدمة الناس والمسلمين.
إن هذه العناصر هي أمور، وان  كانت مشهورة إلى حدٍ كبير في أولاد وذرية الإمام الحكيم (قدس سره)، وأمكن أن نراها بوضوح، من خلال النقاط المشتركة في هؤلاء الأبناء، والخيارات المتعددة للسلوك، أو الاهتمامات، أو المسؤوليات، التي كانوا يتحملونها، أو العلاقات الاجتماعية أو الأسرية العائلية، التي كانوا يلتزمون بها، أو الآلام والعذاب والمصير الذي انتهوا إليه، إلا أن المهم فيها هو اهتمامه (قدس سره) في إيجاد هذه العناصر والمكونات في الشخصية، ورؤيته لها، والذي سوف نتعرف عليه من خلال المنهج الذي اتبعه لهذه التربية.
ومن النماذج والأمثلة لهذه الرؤية في تربيته لاولاده، هو إيكال المسؤوليات لهم في سن متقدم، فقد تسلمت مسؤولية بعثة الحج الدينية ـ وهي من الأعمال التأسيسية ـ في سن الواحد والعشرين عاماً، وأرسل ولده حجة الإسلام والمسلمين السيد محمد مهدي للتبليغ في قلعة سكر، بصحبة آية الله الشيخ محمد تقي الفقيه، في سن اقل من ذلك، وهكذا ولده حجة الإسلام السيد محمد كاظم تولى الشؤون المالية في سن مبكر، فضلاً عن أولاده الكبار.
كما انه يحث على الاستقلال في السكن والبيت، عند توفر الظروف المالية، ولو بالحد الأدنى، كاستئجار البيوت الصغيرة، سعياً منه في التربية على تحمل المسؤولية والاستقلال، تجنباً للسلبيات التي تنشأ في الأسر، من خلال السكن الواحد.
وعندما يتزاحم الجد في طلب العلم، مع المسؤوليات الاجتماعية والدينية، كان يترك الخيار للشخص نفسه في اختيار التركيز على أحد المنهجين؛ لأهميتهما بنظره، فأن العلم بنظره كان للعمل وخدمة الإسلام والمسلمين.
كما أنه لم يكن يتدخل في الشؤون الداخلية لأولاده، وكان يغض الطرف عن بعضها، بحيث يتصور الإنسان عدم إطلاعه عليها تجنباً للحرج.
كما كان يطلب من أولاده حسن المعاشرة مع الناس، وينصح بها دائماً ويؤكدها في التعامل الشخصي أو العام، بالإضافة إلى حسن المعاشرة مع الأزواج، ويؤكد على مفهوم المعاشرة بالمعروف ـ حيث كان يطلب منا الذهاب إلى البيت عندما نتأخر أحيانا في خدمته ـ ويقول (وعاشروهن بالمعروف)، في الوقت نفسه ينبه على عدم الانسياق مع الهوى، ورغبات النساء.
كما كان يؤكد على تقديم المصالح العامة على الراحة الشخصية، أو المبالغة في الاهتمام الخاص بالبيت والأزواج والأولاد، حيث كان يبدي هذه الملاحظة، عندما يرى ترجيح بعض شباب الأسرة لهذه الأوضاع الخاصة، على الاهتمامات العامة، والاكتفاء في سلوكه الديني بالالتزامات العبادية، أو الشخصية، وطلب العلم، ويفسر ذلك بضعف الشخصية والطموح، أو عدم الفهم للإسلام ومتطلبات الشريعة.

أثر الفقر في شخصية الإمام الحكيم (قدس سره):


يقول الله تبارك وتعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ).
عندما تحدثنا عن نشأة الإمام الحكيم (قدس سره) عرفنا انه عاش فقيراً، وكان يتحدث الإمام الحكيم (قدس سره) عن فقره هذا، ويفتخر به أحياناً، حيث كان يصف حاله وحال أهل بيته، بأنه في بداية حياته، كان أكثر طعامهم الخبز واللبن، وهما أكثر الأشياء توفراً وأرخصها ثمنا حينذاك، وكان التمر احد المكونات الأساسية للمؤنة السنوية، وهو رخيص في العراق أيضاً.
وقد يكون الفقر في ذلك الزمان هو الطابع العام لطلاب العلوم الدينية، وقد يتفاوتون فيما بينهم في هذا الجانب، ولكن الظروف الاقتصادية الصعبة العامة التي عاشها الإمام الحكيم (قدس سره) في بداية حياته كانت أشد ضغطاً عليه، وعلى أسرته من غيره، حيث أن علاقاته الاجتماعية العامة والخاصة لأسرته، بالأصل لم تكن قائمة على أساس هذا المسلك الديني العلمي، بخلاف بعض أهل العلم ممن كان ينتسب إلى بعض البلاد الإسلامية، حيث يمدها أهلها بالمعونة ـ كما هو المتعارف في المهاجرين الإيرانيين وغيرهم ـ أو يرتبط ببعض الأوساط الاجتماعية، كالعلماء الذين يترددون على بعض المزارعين أو شيوخ العشائر، أو يوجد لدى أسرهم ارتباط بالأوساط التجارية تاريخياً، أو غير ذلك من الأسباب والعوامل المؤثرة، في شؤون الحياة للعلماء وطلاب العلوم الدينية التي اعتادت عليها جماعة أهل البيت (عليهم السلام)، ولكن لم يكن شيء منها موجوداً في بداية حياة الإمام الحكيم (قدس سره).
والمهم في هذا البعد، هو نظرته إلى هذا الفقر وتقييمه له، وكذلك آثاره الروحية والاجتماعية على شخصيته؛ لأن الفقر في حياة الإنسان له مدلولان مختلفان، ايجابي وسلبي:
أحدهما: الشعور بالحاجة إلى الله تعالى، والفقر الذاتي إليه الأمر، في كل الأمور المادية والمعنوية الذي يدفعه نحو السعي للتكامل والارتباط به تعالى، واللجوء إليه في سد هذا الفقر، وفيض الرزق، والكمالات المعنوية، والكدح من أجل ذلك؛ لأنه بدون هذا الشعور، لا يمكن للإنسان أن يتحرك نحو الكمال، وصعود مدارج التقدم (يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ).
وكذلك من مداليل الفقر الإحساس بالآلام، والمعاناة التي يشعر بها الفقراء، والصعوبات التي يواجهونها في حياتهم والمواساة لهم، كما يشعر الصائم بذلك، وكيفية الصمود والصبر على هذه الآلام والمعاناة، والاستفادة من هذه التجارب.
وهذا المدلول هو ما نراه في الأنبياء، والأولياء، والصالحين، ممن عرفوا الفقر في حياتهم، كما هو واضح في حياة الأنبياء من أولي العزم.
ثانيهما: هو ما يمكن أن نصفه بالشعور بالحاجة إلى الناس، والإحساس بالنقص، ومحاولة الهروب من هذا الواقع الأليم، والخروج من هذا الوسط الممتحن، من خلال طلب الكمال بكل الوسائل، والحرص على جمعه الاستزادة منه، والبخل في الإنفاق على النفس والآخرين.
ويمكن أن نلمس في شخصية الإمام الحكيم (قدس سره) المدلول الأول بشكل واضح من خلال ما عرفناه في الجانب الأول من سيرته الذاتية في الاعتماد على الله والنفس.

اثر المعرفة الأخلاقية في شخصية الإمام الحكيم (قدس سره):


لقد كانت إحدى الصفات البارزة في الإمام الحكيم (قدس سره)، التي يكاد أن يلمسها كل إنسان يعاشره، هي الصفات الأخلاقية والسلوكية، التي تتجسد فيها الروحانية والمعنوية العالية، والتخلق بالكمالات الإلهية التي أراد لهذا الإنسان.
وقد ذكرنا في بداية الحديث عن السيرة الذاتية، أن الإمام الحكيم (قدس سره) تأثر إلى حد كبير بمدرسة الأخلاق والعرفان، التي كان يتفاعل معها والده آية الله السيد مهدي الحكيم (قدس سره)، وبالرغم من انه لم يدرك أباه إلا قليلاً من الأيام، ولكن ترك له الأصدقاء، والمحيط الذي كان يرتبط بهذه المدرسة الأخلاقية.
ونحاول هنا في هذا البعد أن نوضح هذه الحقيقة من خلال توضيح مضمون هذه المدرسة بشكل إجمالي، وبيان معالم آثارها في شخصية الإمام الحكيم (قدس سره) وسلوكه.
ولابد أن نشير الى أن بعض هذه المعالم، أصبحت واضحة في حديثنا عن البعدين السابقين (اليتم، والفقر)، حيث يتداخلان في تاثيرهما مع هذا البعد، ويجسد سلوكه فيهما هذا الجانب الأخلاقي، فلا نحتاج أن نعيد أو نطيل، بل نقتصر في الحديث على ما تبقى من خصوصيات، وبشكل إجمالي:

المدارس الأخلاقية:
إن المدارس الأخلاقية يمكن أن تقسم بشكل أساسي إلى مدارس ثلاثة، بكل طلابها، وروادها، والملتزمون بها وبمنهاجها.
الأولى: المدرسة الفلسفية، التي تحاول أن تستند في رؤيتها للحقائق الأخلاقية، والكمالات الإلهية، على طريق المعرفة المنطقية، والبراهين العلية، أو طريقة الكشف والرياضة النفسية الروحية، ذات السلوك الخاص، الذي يتجه إلى التمييز بين الخاص والعام، وبين أصحاب المعرفة والسلوك، وعامة الناس المؤمنين، وهو: منهج المشائين، أو منهج الاشراقيين.
والعلاقة الأخلاقية بين الإنسان والله تعالى، كما يفهمها هؤلاء الأخلاقيون، هي علاقة المكتشف مع الحقيقة الكاملة المطلقة، فكلما اقترب هذا الإنسان المكتشف من هذه الحقيقة الكاملة، كان أكثر سمواً وكمالاً، وأسمى أخلاقاً.
ويحاول أصحاب هذه المدرسة أن يتواصلوا إلى الكمالات الإلهية من خلال معرفة الحقائق الكونية، واكتشاف المزيد من الشهود أو الغيب، بالتفكر والتأمل، أو من خلال صفاء النفس وقوة الإرادة، بالرياضة النفسية المجهدة.
الثانية: المدرسة الصوفية، التي تحاول أن تصل إلى الكمالات الإلهية، من خلال تثوير وتأجيج الأحاسيس والمشاعر والعواطف الخيرة، التي أودعها الله تعالى في الإنسان، والتي تعتمد بشكل أساسي على الحب والتقديس لله تعالى، والصفات الإلهية، والذكر المتواصل باللسان.
وتهتم هذه المدرسة بتطوير هذه المشاعر، وبالتعبير عنها باستمرار، حيث من خلالها يمكن أن يتوصلوا إلى هذه الكمالات الإلهية.
وهم يتصورون العلاقة الأخلاقية بين الإنسان والله تعالى، هي علاقة المحب بحبيبه، والعاشق بمعشوقه، فالخلوة بالمعشوق، وعدم الانشغال عنه بغيره، والانصراف إليه، كل ذلك من التعبيرات السلوكية عن التكامل الأخلاقي.
الثالثة: المدرسة الشرعية، التي يحاول أبناؤها أن يصلوا إلى الكمالات الإلهية، من خلال الطاعة والامتثال والالتزام بالحدود، والأحكام الشرعية، والورع والتقوى، واقتران الإيمان بالعمل، والقول، والفعل، وان الكمال الإلهي، لا يصل إليه العبد ـ بنظرهم ـ إلا من خلال الإيمان، والإيمان له مراتب لا يحصل عليها الانسان إلا من خلال العمل والتطبيق، والعمل لا يكون إلا من خلال الحكم الشرعي، والحدود الإلهية.
والعلاقة الأخلاقية، كما تتصورها هذه السياسة بين الإنسان والله تعالى، هي علاقة العبد بالمولى، والمطيع بالآمر، والمحكوم بالحاكم.
ولهذه المدارس ـ في منهاجها ـ آثار نفسية، وسلوكية، واجتماعية على ملتزميها، قد تتداخل، أو تختلف، أو تتكامل، ويتوقف ذلك بشكل إجمالي على حفظ الموازنة بين هذه الخلفيات الأخلاقية.
ولا نريد ـ هنا ـ أن نعرف الموازنة، ولا التميز والتفاضل والترجيح بين هذه المدارس، ولكن يبدو من الواضح ـ والله العالم ـ أن المدرسة الثالثة في توجهها ومنهجها وسلوكها، تشكل الأساس الذي لا يمكن العدول عنه، بل يمكن الإضافة إليه والتكامل فيه، فيتحول الإيمان إلى معرفة، وتتحول الطاعة إلى حب، ويتحول اللقاء والانصراف إلى المحبوب انشغالاً بالواجبات، وجهاداً في سبيل الله، ويتحول الذكر لله تعالى إلى حضور لذاته في كل أعمال الإنسان وتصرفاته.
هذا كله مع قطر النظر عن أصول هذه المدارس، والاستدلال الذي يستخدمه أصحابها لتأكيد صحتها، استناداً إلى الكتاب الكريم، أو الأحاديث الشريفة والسيرة النبوية، أو سيرة الأئمة المعصومين (عليهم السلام).

ولعل أهم ما تختلف فيه المدرسة الأخيرة عن المدرستين الأوليتين عادة ـ وفي السيرة الخارجية لها ـ نقطتان مهمتان:
أحدهما: أن منهجها واضح من خلال الأحكام الشرعية، والحدود الإلهية، فهي تشخص المحتوى الأخلاقي ومضمونه، وفي الوقت نفسه تحدد الطريق للوصول إليه استناداً للحكم الشرعي، الذي بينه الله تعالى لعامة الناس، ووضعه في متناول أيديهم.
بخلاف المدرستين الأخريتين اللتين تحتاجان إلى استنباط منهج للوصول، أو مستوى معين من الإدراك والمعرفة.
ثانيهما: أنها تدعو إلى التعايش مع الناس، وتحمل المسؤولية تجاههم في هدايتهم وإرشادهم، أو في خدمتهم ومنفعتهم، أو في الإحسان إليهم، والتآلف معهم، أو غير ذلك مما يرتبط بالجماعة وتكاملها كهدف أساس، حيث تقترن فيها مسيرة تكامل الإنسان في ذاته، مع مسيرة تكامل الجماعة ومساهمته في تكاملها، وتكامل الفرد مع تكامل الأمة.
ولذلك نجد أبناء هذه المدرسة يتحركون في الأمة وكأنهم احد أبنائها، ولكنهم في الوقت نفسه ليسوا منهم في تفاصيل حياتههم، وفي سلوكهم العام، بل يمثلون النور الهادي فيهم، والموقع القدوة في حركتهم، والمرتفع المتميز بين سطوحهم ومستوياتهم.
وقد كان الإمام الحكيم (قدس سره) ـ كما يبدو ـ من أبناء المدرسة الأخيرة، ولذا لا يبدو في سلوكه الاجتماعي ـ كما هو شأن سلوك هذه المدرسة ـ أي شيء غير عادي، بالرغم من أنه يمتاز في سلوكه الشخصي والذاتي بشكل واضح.
ويمكن أن نرى ذلك واضحاً، عندما ننظر إلى جميع أبعاد النقاط التي ذكرناها سابقاً في البعدين السابقين، بالإضافة إلى النقاط التالية:

1ـ التقوى والورع:
كان الإمام الحكيم (قدس سره) يجسد في مجمل سلوكه الورع والتقوى، ولم يكن ذلك في السلوك الفردي فحسب، بل كانت هذه الصفة والملكة تتجسد في سلوكه العائلي، ومع أولاده وأهل بيته، ثم مع ما يحيط به من أشياء كثيرة، فهو ورع، ومتقي في التعامل مع اللباس، والطعام، والشراب، والسكن، والأموال، ومع الحديث، والكتابة، والحوزة العلمية، والعلماء، ومع المرجعية وشؤونها، ومصالح الأمة وقضاياها، وفي المواقف من الخاصة والمواقف من الطغاة، ومع الناس من الأصدقاء والأعداء، ومع المريدين والمنافسين، ومع المحبين والحاسدين، ومع الأحداث السياسية والاجتماعية المختلفة، التي كان يواجهها.
والمهم في التقوى والورع هو هذه الشمولية، حيث تصبح التقوى في الأمور الاجتماعية السياسية من أشد الأمور تعقيداً؛ لأن مخالفة الورع والتقوى في هذا المجال تقترن ـ أحياناً ـ بمبرراتها المصطنعة والمغطاة بغطاء ادعاء المصالح الإسلامية العليا، أو تزاحم الأهم من المهم، أو حجم المنفعة الكبيرة، مع الأضرار الصغيرة، أو غير ذلك من المبررات التي يسهل تصورها وأدعائها، وتجد طريقها إلى نفس الإنسان، حيث يتحول الإنسان أحياناً إلى وهم، يصبح فيه وجوده هو الممثل الكامل للإسلام والمصالح الإسلامية العليا، فكل فائدة ومنفعة له هي منفعة للإسلام، وكل ضرر ينزل به، فهو ضرر للإسلام، وكل عدو له هو عدو للإسلام، وكل تجاوز لشخصيته هو تجاوز للإسلام.. إلى آخر التصورات.
إن قضية الورع والتقوى في الأمور السياسية، هي قضية امتحان وابتلاء الصالحين من عباد الله تعالى، حيث يتم اصطفاؤهم واختيارهم من خلال هذا الامتحان العسير الذي تتداخل فيه الصور، وتضطرب فيه الرؤى، وتتصاعد فيه الضغوط وتتحير فيه النفوس، وتضعف فيه الإرادة أو تتكامل وتقوى.

2ـ العبادة:
تمثل العبادة التعبير المباشر عن هذا المحتوى الأخلاقي لهذه المدرسة، خصوصاً إذا نظرنا للعبادة بمفهومها الواسع، الذي يعني إتيان العمل ـ في أي مجال كان ـ بقصد التقرب لله تعالى، وتعبيراً عن علاقة العبودية له سبحانه حيث كان الإمام الحكيم  (قدس سره) في هذا المجال يؤكد على نقطتين:
الأولى: الإخلاص لله تعالى في العمل، كما عرفناه في معالم التربية، وكما كان ذلك من جملة وصاياه لمبعوثيه، وللمبلغين في المواسم الدينية، فيطلب منهم السعي لتوفير هذا العنصر في كل الأعمال والفعاليات والنشاطات، وكان يقول: بأن الإخلاص بالإضافة إلى ما يحققه من قرب لله تعالى، ومن الرضا الإلهي عن العمل الذي هو غاية ما ينشده الإنسان ويبتغيه في حياته، فانه ـ أيضاً ـ يمثل مفتاح النجاح والتوفيق للإنسان في أعماله، وهو سر التأثير في الآخرين.
كما كان (قدس سره) يتحدث عن هذا الإخلاص عند الممارسة للنشاطات المختلفة، التي قد يشوبها شيء من النوايا الأخرى، مثل المصالح والمنافع الخاصة، أو شيء من الجاه والسمعة، أو مراعاة للوضع الاجتماعي العام وما يقوله الناس، دون الانتباه إلى الهدف الأصلي لها، وهو رضا الله تعالى.
الثانية: أن قصد القربة يمكن توفيره وتحقيقه مقروناً بمختلف الأعمال التي يقوم الإنسان في حركاته وسكناته، وضرورة الاهتمام بتوفير هذا القصد، والسعي للإتيان بالأعمال والنشاطات التي ورد عن الشارع المقدس الحث عليها، أو طلب الإتيان بها، أو تمثل حاجة طبيعية في تفاصيل حياة الإنسان اليومية، أو العامة.
والشيء المهم في هذا المجال، هو أن الإمام الحكيم (قدس سره) كان يلمس كل من يعاشره، انه يحاول أن يطبق جميع أعماله على هذا القصد، بحيث يتحول سلوكه إلى مدرسة للتربية في هذا المجال.

المنهج العبادي:
لكن بالإضافة إلى ذلك كله كان الإمام الحكيم (قدس سره) يلتزم بمنهجه اليومي بالعبادات والمستحبات التي أكد عليها الشارع المقدس بشكل خاص، والتي يمكن أن نشير إلى بعضها في العناوين التالية:
* قراءة القران الكريم.
* الصلاة في أول الوقت.
* النوافل اليومية، ولاسيما نافلة الليل والصبح والمغرب والعشاء.
* التعقيب بعد الصلاة، ولاسيما صلاة الصبح حتى طلوع الشمس.
* الأذكار المستحبة اليومية.
* صلاة الجماعة.
* زيارة أئمة أهل البيت (عليهم السلام).
* الصدقة.
* صلة الأرحام.
* صلاة أول الشهر.
* صلاة جعفر الطيار.
* قراءة الأدعية الخاصة في الأيام والأسبوع، كدعاء كميل، وأدعية الصحيفة السجادية، وأدعية الأيام.
* صلاة تحية المسجد.

3ـ التواضع:
لقد مر الحديث عن الإمام الحكيم (قدس سره) انه كان في عموم حياته متواضعاً في المأكل، والمشرب، والملبس، والسلوك الاجتماعي العام.
ولكن مع كل ذلك لابد من الإشارة إلى أن الإمام الحكيم (قدس سره) كان يتوخى ويسعى أخلاقياً لأن يعبد الله بالتواضع في سلوكه، حيث يرى التواضع تعبيراً عن العبودية لله، والذلة أمام يديه، كما أنه يرى التواضع صفة مهمة في الإنسان المؤمن، يحبه الله تعالى ويميزه على غيره في عملية الاستبدال، كما وصفه الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ).
فهو يحترم المؤمنين ويتواضع لهم، فيقوم للشيوخ، وكبار السن، وللفقراء، ولطلبة العلوم الدينية المستضعفين.
وكان يمنع من السير خلفه في الاماكن العامة إلا للضرورات، ولم يضع الحاجب على باب داره، بل وحتى على باب غرفته إلا في السنين الأخيرة من حياته عندما اتسعت مرجعيته؛ ولتنظيم عملية الدخول عليه في الغرفة والاستفادة من الوقت، وحفظ أسرار بعض الداخلين عليه، الذين لهم حديث خاص.
وكان يتجنب كل مظاهر العظمة أو الجاه أو الدعاية والإعلان، وكل مظاهر التشريفات.
وعندما يدخل المجالس العامة، كان يحاول أن يجلس حيث انتهى به الجلوس، ويكاد لا يشعر أحد في دخوله.
وهكذا كان أثناء زيارته للعتبات المقدسة، حيث كان يمنع من القيام ببعض الأعمال التي تلفت إلى وجوده أو احترامه، كما كان يمنع من مضايقة الزائرين، وفتح الطريق أمامه في زحامهم، وكان يتفقد أحوال الضعفاء منهم بالسؤال والاستفسار.
ولقد كان هذا النوع من السلوك الذي يسايره في جميع تصرفاته وأعماله وأوضاعه، موضع إعجاب وتقدير ومودة وتمييز.

الجانب العلمي والمميزات الخاصة:


يعتبر الجانب العلمي في الإمام الحكيم (قدس سره) من أهم الأبعاد في شخصيته، فبالإضافة إلى سيرته الذاتية التي تمثّل القاعدة والأساس للبناء الفوقي في الشخصية، تتمثل الأبعاد البارزة في شخصية الإمام الحكيم (قدس سره) بالبعد العلمي، والبعد المرجعي، والبعد الجهادي السياسي، حيث أنَّ الأعمال العلمية للإمام الحكيم (قدس سره) قد أخذت حيزاً واسعاً من حياته، ووقته، وشخصيته، فقد أحصى بعض المؤلفين في شخصية الإمام الحكيم (قدس سره) مؤلفاته فبلغت (24) مؤلفاً، تتناول موضوعات مختلفة من العلوم الإسلامية، الأمر الذي يدلل على هذه الحقيقة خصوصاً إذا عرفنا أنه كتب بعض مؤلفاته مرتين كما هو في شأن بعض أجزاء (المستمسك) ولكن أهم مؤلفاته المطبوعة يمكن أن نحصيها في المؤلفات التالية:
1ـ مستمسك العروة الوثقى: وهو شرح استدلالي للقسم الأول من العروة الوثقى للسيد الطباطبائي اليزدي في أربعة عشر جزءاً.
2ـ حقائق الأصول: وهو شرح استدلالي لكفاية الأصول للمحقق الخراساني في مجلدين.
3ـ نهج الفقاهة: وهو شرح استدلالي لكتاب البيع للشيخ الأنصاري في مجلد واحد.
4ـ منهاج الصالحين: وهو رسالة عملية مفصلة، تتناول الفتاوى الفقهية في مجلدين، وقد أصبح موضع اهتمام خاص من قبل المراجع الدينيين المتأخرين عن الإمام الحكيم (قدس سره)، في التعليق على مسائله، وفي تكملة بحوثه، وفي الشرح الاستدلالي لهذه المسائل.
5ـ دليل الناسك: هو شرح استدلالي مختصر ومركز لرسالة الحج التي كتبها أستاذه المحقق النائيني، مجلد واحد.
ويحتاج تعريف هذه الكتب إلى حديث واسع، ولكن لابد أن نشير إلى أنَّ أهمَّ هذه الكتب والذي حضي باهتمام بالغ وواسع في الأوساط العلمية هو كتاب (المستمسك)، الذي يعتبر بحق أهم موسوعة مركزة فقهية كتبها عالم بقلمه بعد كتاب (الجواهر) المعروف، للشيخ النجفي.
إلا أنّ هذا الكتاب ـ مع الأسف ـ يشكو من نقص واضح، وهو أنه لا يمثل دورة فقهية كاملة؛ لأن كتاب العروة الوثقى الذي يمتاز بكثرة الفروع الفقهية ودقّتها لا يتناول جميع أبواب الفقه.
وأحد جوانب النقص فيه هو كتاب الحج، حيث أن المؤلف يتناول فيه أبواب الحج إلى كيفية الإحرام فقط.
ولذا يعتبر (دليل الناسك) مكملاً في هذا الجانب لكتاب (المستمسك)، بالإضافة إلى خصوصية هامة فيه تمثل هدفاً للمؤلف، وهي: أن الإمام الحكيم (قدس سره) تناول أبحاث الحج بطريقة استدلالية متينة ومختصرة، يركن إليها الباحثون، وقد جمعها في مجلد واحد، وهذا العمل يعتبر من الناحية العلمية والفنية في غاية الأهمية.
والمهم في هذا البحث هو التعرف على الخصائص العلمية ـ بصورة مختصرة ـ التي كان يمتاز بها الإمام الحكيم (قدس سره) ونهجه في البحث والتدريس.

الفقه والأصول:
يمكن أن نقول: بأن الفقه والأصول كانا محور الاهتمام العلمي للإمام الحكيم (قدس سره)، وقد أخذ من غيرهما المقدار الذي يمثل مقدمة عامة للفقه سواء في علم الحديث، أم التفسير، أم الرجال، أم اللغة والنحو والصرف، فضلاً عن غيرها من العلوم الإسلامية، وذلك بالرغم من أننا نجد في عناوين بعض مؤلفاته ما يشير إلى اختصاصها ببعض هذه العلوم، ومن هنا نجد الإمام الحكيم (قدس سره) قد أولى الفقه أهمية خاصة، وبرع به، وامتاز وعرف بين العلماء والمراجع بهذا الجانب، وكان موضع إعجاب وثناء وتقدير من قبل العلماء والباحثين، وتعتبر آراؤه في الفقه موضع بحث وتداول لدى كبار المجتهدين في بحوث درس الخارج.
والشيء المهم في هذا المجال أن آراءه أخذت طريقها إلى الأوساط العلمية بطريقة موضوعية، دون تأثر بموقعه المرجعي المتميز، أو موقعه كأستاذ يعتز طلابه بالأخذ عنه، حيث أن كثيراً من هؤلاء الباحثين أما من المقاربين للإمام الحكيم (قدس سره) في الطبقة العلمية، أمثال آية الله العظمى السيد الخوئي (قدس سره)، وغيره من كبار الأساتذة والمدرّسين، أو من طلاب المدارس الأخرى والعلماء الآخرين.
وقد كان طريق هؤلاء إلى رأيه كتبه وأبحاثه التي لاقت رواجاً تدريجياً في هذه الأوساط، خصوصاً أوساط الحوزة الإيرانية في النجف، وقم والتي تعتبر ـ بشكل عام ـ من الأوساط المتقدمة علمياً.
وفي هذا الجانب يمكن أن نلاحظ مجموعة من المميزات في فقه الإمام الحكيم (قدس سره)، والتي تشكّل في مجموعها مدرسةً متكاملة، بالإضافة إلى متبنياته الأصولية والرجالية والحديثية العامة.
ويمكن تلخيص المميزات بالنقاط التالية:

الدقة والفقاهة:
الجمع بين الدقة في الاستنباط والتزام المنهج العلمي الذي يعتمد على الضوابط والأصول المقررة من جانب، والفقاهة في فهم النص وظروفه، وما يسميه الإمام الحكيم (قدس سره) بالارتكاز العرفي، والذوق العام من جانب آخر، والعمل على إيجاد الموازنة بينها، وتفسير احدها بالآخر.
وهذا العمل في الحقيقة يمثل محاولة للجمع بين مدرستين مهمتين في الفقه، خصوصاً بعد أن تطور علم الأصول، وغرق في بحر الفرضيات والاحتمالات والجزئيات، بحيث ألقى بضلاله الثقيلة على الفقه، وفهم النصوص والظواهر، وعملية التجريد للنص.
وهاتان المدرستان هما:
المدرسة التي تعتمد على ظهور النصوص والمقارنة بينها، واستنباط الحكم الشرعي من خلال فهمها، دون تحليل مفرداتها على ضوء المصطلحات والنتائج الأصولية.
والمدرسة الأخرى التي اعتمدت على الفكر الأصولي التحليلي للنصوص، وتطبيق  نتائج الأبحاث الأصولية، حتى لو كانت غير منسجمة مع الفهم العرفي العام للنص.

الاستنباط من موقع المعايشة الاجتماعية:
حيث أن الإمام الحكيم (قدس سره) لم يكن مرجعاً عاماً تحققت له معايشة المجتمع العامة من خلال المرجعية فحسب، بل كان يعيش علاقات اجتماعية واسعة قبل مرجعيته شخصياً، إلى جانب عمله العلمي في الدور الأول من حياته، وشاهد ظروفاً سياسيةً مختلفة، ومر بأدوار عديدة، واصطحب بشكل مباشر مستويات من الناس متفاوتة في وضعها الاجتماعي والثقافي ومحيطها الحياتي، من الفلاحين، والعمال، والتجار، والجنود، والطلبة، والعلماء، وأصحاب البيوتات من المدن، وأبناء العشائر والقبائل في الريف، ومن العراقيين، واللبنانيين، والإيرانيين...وقام بعدة أسفار إلى لبنان، وفي داخل العراق.
إنَّ هذا المستوى الواسع من المعاشرة الميدانية للحياة إلى جانب المستوى العلمي المتميز تجعل الفقيه ينظر إلى الحوادث والمشاكل من بعدين مترابطين:
أحدهما: البعد العلمي الذي يستوحيه من الأدلّة الشرعية والنصوص الشريفة.
وثانيهما: البعد الاجتماعي الذي جاءت الشريعة لبيان أحكامه وحل مشكلاته، والذي يلقي بضوئه على فهم هذه النصوص من خلال قانون مناسبات الحكم والموضوع.
وهذا العمل ضرورة مهمة في عملية الاستنباط، حيث أنَّها تشخّص الحكم الشرعي للموضوعات والقضايا التي يواجهها الإنسان في حياته يستند فيه الفقيه إلى الأدلة الشرعية، وكل منهما  لايمكن  أن يؤخذ عملية تجريدية فرضية فحسب، بل الأحكام الشرعية بالاصل، وبحسب ورودها جاءت كمعالجة لهذه القضايا الحية، وان لم يكن الحكم مقيداً بها في مدلوله كقضية خاصة خارجية، ولكنها بطبيعة الحال تلقي بخصوصياتها وظروفها على فهم مضامين النصوص، والقواعد الواردة بشأنها ـ كما هو واضح ـ.
كما انّ  إرجاع  الأئمة (عليهم السلام) إلى الفقهاء إنما هو لمعالجة هذه القضايا على ضوء ما ورد في الكتاب الكريم والسنة الشريفة، خصوصاً إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار الدور الذي لابد للمجتهد أن يقوم به ـ أيضاً ـ وبعد تشخيص الأوامر التفصيلية في موارد الولاية: ((وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله)).

بل إنَّ عملية الاستنباط الفعلي هي عملية استنطاق الكتاب الكريم والسنة الشريفة انطلاقاً من الحوادث والقضايا، ثم الرجوع إليها في تطبيق الحكم الشرعي.
والخلاصة انَّ عملية الاستنباط إنما هي عملية تشخيص الحكم للموضوع بعد تحديده وتشخيصه، ولاشك أن المعايشة الحياتية للحوادث لها دور كبير في تشخيص الموضوعات وتحديدها وفي فهم طبيعة الحكم المناسب لها المستفاد من الأدلّة.
ولعلّ هذا الفهم لعملية الاستنباط هو الذي جعل الإمام الحكيم (قدس سره) يهتم بقضية الارتكاز العرفي. كما أنه يفتح آفاقا في عملية الاجتهاد لا يمكن حصرها في العملية التجريدية المحصورة بين النصوص والتصورات والفروض، وقد يضيف للإجتهاد والأعلمية شرطاً جديداً، وبعداً أصيلاً يحتاج فيه إلى مثل  هذا الفهم والمعايشة.

الشجاعة العلمية:
فإن الإمام الحكيم (قدس سره) وان كان يلتزم في مبانيه الأصولية بالإجماع، وكذلك بتأثير شهرة رواية الخبر، وقبوله العام في الفتوى على العمل والأخذ به، وبالتالي فهو يعطي دوراً وأهميةً لآراء العلماء ومتبنياتهم. إلا أنه مع ذلك يفرّق بين حالتين في هذا المجال:
إحداهما: حالة افتراض تلقي العلماء والرواة للحكم الشرعي أو خصوصية فيه من الأئمة (عليهم السلام) ولكن الخصوصية أو الحكم لم تنعكس على النصوص أو القرائن المحيطة بها.
وفي هذه الحالة يولي الإمام الحكيم (قدس سره) هذا الأمر دوراً في عملية الاستنباط، ويدخل كعامل مؤثر في هذا المجال.
وثانيهما: حالة تنبع من عناصر ذاتية في المجتهد والعالم، كالاحتياط في مقام الفتوى، والابتعاد عن الشبهات، أو الاستظهار، أو الفهم الخاص للنصوص، والتأثر بالأوضاع الاجتماعية التي كان يعيشها المسلمون في العصور السابقة، أو فكرة تقديس آراء المحدّثين الأوائل والفقهاء السابقين، أو غيرها من العناصر ذات القيمة الذاتية، لا الموضوعية.
فانّ في مثل هذه الحالة نجد الإمام الحكيم (قدس سره) يملك الشجاعة الكافية، والجرأة الأدبية لاتخاذ الموقف الحازم في تبنّي النتائج العلمية في الفتاوى والأحكام، ويمكن أن نلاحظ ذلك بوضوح في عدة فتاوى مهمة للإمام الحكيم، إذا أخذناها في إطار ما يتصف به من روح الاحتياط والتقدُّس:
أـ الفتوى بطهارة أهل الكتاب، وكذلك بصحة الزواج الدائم من نسائهم، حيث كان بعض الفقهاء يتردد في الإعلان عن هذه الفتوى؛ إما لأنها مخالفة للمشهور؛ أو لأنَّ لها مردودات سلبية اجتماعية في أوساط المتدينين والمتشددين تؤدي للإضرار بالمقام الاجتماعي للفقيه.
وهذه الفتوى ـ بالرغم مما تحمَّل الإمام الحكيم (قدس سره) بسببها من مشاكل ـ إلا أنها كانت أحد الفتوحات الاجتماعية المهمة؛ بسبب ابتلاء المؤمنين الواسع بمباشرة أهل الكتاب في العقود الأخيرة؛ بسبب تطور الأوضاع المدنية من ناحية، وانفتاح البلاد الإسلامية على العالم الغربي من ناحية أخرى.

ب ـ إلحاق من عمَلُه في السفر بمن عمله السفر كالموظفين الإداريين، أو عمال الشركات، أو التجار الذين يكون مكان سكناهم بعيداً عن مقر عملهم بما يساوي المسافة المعتبرة بالسفر، وهكذا إلحاق الوطن المؤقت بالوطن الدائم، كالاستيطان المؤقت لطلاب العلوم الدينية، الذين يدرسون في الحوزات العلمية بشكل مؤقت، أو طلاب الجامعات...الخ.
حيث كان الفقهاء ـ ومنهم الإمام الحكيم سابقاً ـ يرون أنَّ مثل هؤلاء حكمهم القصر، والإفطار في شهر رمضان، ويفرقون في حكمهم عن أولئك الذين عملهم السفر كالسّاق والملاّحين، وحملة البريد، وعمّال إصلاح السكك الحديدية، ومسؤولي قوافل المسافرين وأشباههم، فحكمهم هو التمام والصوم، وقد أفتى الإمام الحكيم (قدس سره) بعد ذلك بأنَّ الحكم هو التمام والصوم بالنسبة إلى جميع هؤلاء من القسمين، وكانت هذه الفتوى من خلال المعايشة الحقيقية لهذه الأعمال حلاً لمشكلات واسعة، كان يواجهها هؤلاء المتدينون.

وقد سار على هذه الفتوى جماعة من الفقهاء الذين جاؤوا بعد الإمام الحكيم (قدس سره)، حيث أصبحت هي الفتوى السائدة في أوساطهم.
ج ـ الفتوى بكفاية الإحرام من حدود الحرم وأدنى الحِل للحجاج الذين يأتون من الآفاق، ممن لا يمرُّون في طريقهم بأحد المواقيت الخمسة المعروفة، أو ما يحاذيها محاذاةً عرفية، كالحجاج الذين يأتون إلى جدة بالطائرات، وكذلك صحَّة الإحرام من هذا الموقع للمعتمر بالعمرة المنفردة.
حيث كان يستفيد من روايات المواقيت أنَّها مختصَّة بمن يمر عليها، أو يحاذيها محاذاةً عرفيَّة، وهي المحاذاة التي يمر فيها الحاج قريباً من الميقات في حال استقباله لمكة، وبدون ذلك فلا تكون هذه محاذاةً، ولا مروراً بالميقات، وبالتالي فيمكنهم أن يحرموا من أدنى الحل.
ومع قطع النظر عن صحّة هذا الاستنباط  وعدمه ـ فانه موكول للأبحاث الفقهية ـ ولكنَّ المهم هو الشجاعة والجرأة الفقهية لهذه الفتوى، والذي عالج بها مشكلة حقيقية يعاني منها الحجاج، استناداً لفهمه من النصوص.
والقضية بطبيعة الحال ليست هي وجود حل للمشكلة، وإنما الجرأة في الفتوى عندما يرى الدليل كافياً في الوصول إليها، حتى لو كانت على خلاف ما هو معروف لدى الفقهاء.
وهكذا الحال في الفتوى بصحة السعي في الطبقة الفوقانية للمسعى، حيث يتوقف بعض الفقهاء؛ بسبب الشك بصدق مفهوم السعي بين الصفا والمروة، أو الشك في أنَّ الصفا والمروة كانت مرتفعة بدرجة هذا الطابق، ويرى الإمام الحكيم (قدس سره) أنَّ من يسعى من الطبقة الفوقانية، يصدق عليه السعي بين الصفا والمروة عرفاً.

د ـ الفتوى بحليَّة الأطعمة ـ وحتى اللحوم فضلاً عن طهارتها ـ التي تباع في سوق المسلمين عند الشك في التذكية، حتى لو كانت مسبوقة بيد غير المسلم، حيث كان يرى: انَّ سوق المسلمين نفسها أمارة على التذكية.
نعم، مع العلم بعدم التذكية فلا كلام في الحرمة.
ويجد المتتبع لفقهه عدداً آخر من هذه الفتاوى، التي تتصف بمثل هذه الجرأة العلمية.

تيسير الفقه الاستدلالي:
الرابعة: العمل على تيسير الفقه الاستدلالي من خلال الدقة في التعبير، والتلخيص للمطولات الفقهية، والجمع للآراء والنظريات المختلفة، مع بيان واضح ميسر يمكن أن يتناوله الفضلاء والطلبة المجدّون بسهولة، فيختصر عليهم الوقت والجهد.
وقد نقل عنه معظم تلامذته أنه كان يقول: إني حينما أريد صياغة النص، أفترض أمامي بعض الطلاب (فلان) أما من عسيري الفهم، أو المدققين في النصوص، ومدى مطابقتها للمراد منها من المعاني، وقدرتها على الإفهام ثم أصوغ النص؛ ليأتي ميسر الفهم لمثل هؤلاء.
وكنت ألاحظ في كتابه المستمسك أنه كان يدقق في كتابة النص لدرجة أنه يعيد كتابته عدة مرات، أو يضيف أو يحذف منه بعض الكلمات والفقرات، وهذا أمر واضح لمن يرجع إلى مسودة كتاب المستمسك بخط المؤلف.
ولعل الجهد الذي كان يبذله في هذا المجال، ولتحقيق هذا الهدف هو أحد أسرار النجاح الذي لاقاه كتاب المستمسك.
ويعتبر كتاب (دليل الناسك) أحد المصاديق البارزة لهذه الميزة الخاصة أيضا،ً بل هو في الاختصار أكثر من المستمسك.

المنهج العلمي:


لقد كان المنهج العام الذي يتّبعه الإمام الحكيم (قدس سره) في الاستنباط والوصول إلى النتائج، له طابعه الخاص من ناحية، وله معالمه وخطواته من ناحية أخرى.
ويحسن بنا بيان كل منهما مع قطع النظر عن موضوع التحيز.
أما طابعه العام فهو المنهج الموضوعي الذي يعتمد بشكل أساسي على الدراسة العلمية غير المتحيزة تجاه موضوع البحث، ويطبّق فيه الضوابط والأصول والقواعد العلمية المنطقية، أو التجريبية، أو الأسس المستنبطة لاستخدامها في عملية استنباط الأحكام الشرعية، كما سوف نشير إلى ذلك، ولكن في الوقت نفسه يهتم بالجوانب الروحية، والمعنوية في هذا العمل العلمي.
وقد كان الإمام الحكيم (قدس سره) ينظر إلى الاستنباط على أنه ممارسة لأقدس عمل يقوم به الإنسان، بعد الإيمان بالله والواجبات الأساسية، كما أنه هو واجب شرعي لابد أن يقترن بقصد القربة، ليس في التوجه والاختيار العام بل في تفاصيل العملية الاستنباطية، كما سوف نشير.
مضافاً إلى أنه كان يرى: ان الاستنباط يتعامل مع أعظم المقدسات الإسلامية، وهي: الكتاب الكريم، والسنة الشريفة، والعقل الإنساني الذي فضّله الله تعالى على جميع المخلوقات، ومع الحرمات من النفوس، والديار، والأموال، والأعراض، وغيرها.
وهذا الجانب المعنوي يمثل بعداً مهماً في نظر الإمام الحكيم (قدس سره) في منهج الاستنباط، له تأثيره في الالتزام والدقة، وله تأثيره في الهداية والتوفيق للوصول إلى المناهج، ويمكن أن نلخص خطوات هذا المنهج ومعالمه بالأمور التالية:
الأول: قصد القربة في تفاصيل العملية الاستنباطية، والاستعانة بالله تعالى للهداية إلى الصواب، وهذا القصد من الأمور غير المنظورة للمشاهد، ولكن كان يتحدّث عنه الإمام الحكيم (قدس سره) عندما ينصح طلابه ومحبيه، ويقوم ببعض الممارسات المعبِّرة عنه، كالتزامه بصلاة تحية المسجد قبل صعود المنبر للدرس، علماً بأنه كان يلقي دروسه العامة في المساجد، ويمكن أن نلمسه في هذا التوفيق الذي اتصفت به كتبه المطبوعة.
الثاني: أسلوب التفكير بصوت مسموع ـ كما يعبّرون ـ حيث كان يطرح الإمام الحكيم (قدس سره) في درسه المسائل والأفكار في البداية مجردةً عن الأدلة، ثم يأخذ بإثارة الأسئلة حولها عن صحّة الفكرة، ومدى واقعيتها، والمطالبة بالدليل على هذه الصحة، وجواب الإشكالات، وكان يترك في هذه العملية الفرصة للإثارة والتأمل.
فبالرغم مما نرى في كتاب المستمسك وغيره من كتبه من التنسيق والتبويب، إلا أنّ درسه كان يختلف عن ذلك إلى حد كبير، حيث كان يبدو عليه كأنه يُحَضِّر الأفكار والاثارات حولها والاستدلال عليها أثناء التدريس، ويفكر في صحّتها والإشكال عليها والدفاع عنها. الأمر الذي كان يعطي فرصةً واسعةً للطالب أن يواكب ويتابع التفكير، سواء من حيث الوقت أم الأسلوب.
الثالث: بذل الجهد في إيضاح محتوى الفكرة الأساسية وتأكيدها، خصوصاً إذا كانت لأحد الأعلام الماضين من العلماء، أو توضيحها وكأنه يؤمن بها، ثم بعد ذلك يبدأ بالتفتيش عن دليلها أو صحتها، وبعد ذلك يبدأ بمناقشتها للوصول إلى النتائج المطلوبة.
فالعملية تأخذ بنظره خطوات ثلاث لابد للباحث أن يطويها حتى يصل إلى هدفه المقصود.
الرابع: التعامل مع آراء الآخرين العلماء باحترام، وتواضع، وأدب رفيع، والتفتيش عن المبررات التي اعتمدوا عليها في تكوين الفكرة أو التزامها، خصوصاً إذا انتهى إلى عدم القبول بها، حيث يُبقي احتمال وجود خصوصيات وقرائن دعتهم إلى الأخذ بها خفية على الباحث، الأمر الذي يجعل الطالب يبذل المزيد من الجهد في البحث والتفتيش عن الدليل والبرهان، لقبول الفكرة أو رفضها، والابتعاد عن روح الاستهانة أو الغرور العلمي.
الخامس: الحرية، والاستقلال في التفكير العلمي، وعدم الانفعال والوقوع تحت تأثير الاحترام أو التعظيم للآخرين، حيث كان يقول: انَّ من الضروري في التعامل مع الأفكار (النظر إلى ما قيل لا إلى من قال)، وان الكثير من الأخطاء وقعت بسبب هذا النوع من الانفعال والتأثر.
السادس: الالتزام بالضوابط والموازين العلمية في الاستنباط، حيث لاحظ بعض الباحثين في منهج الإمام الحكيم (قدس سره) العلمي: أنَّ هناك تطابقاً في مسيرة البحث لديه بين الدليل والقاعدة التي يستند إليها، والالتزام الفقهي له وهذا ما عبَّرنا عنه: بالشجاعة الأدبية في الالتزام بالنتائج، على خلاف بعض العلماء الذين لا يلتزمون فقهياً بنفس نتائج البحث العلمي.
إن هذه الأمور الستة بمجموعها تمثل منهاجاً علمياً عاماً، يعتبر من أفضل المناهج العلمية التي تتبناها العلوم في أفضل تطور للمناهج العلمية.
فهو بالإضافة إلى الصفة الموضوعية يمتاز بالجانب الروحي والمعنوي، لكي يؤتي في الوقت نفسه ثماره التربوية المطلوبة، ولذا يمكن أن نقول: بأنَّ الإمام الحكيم (قدس سره) كان في منهجه العلمي عالماً، ومعلِّماً، وأخلاقياً.

الجهاد السياسي للإمام الحكيم (قدس سره):


النظرية الإسلامية في القيادة: في الرؤية الإسلامية تكون القيادة في الفرد الصالح الجامع للشرائط من العلم والتقوى والشجاعة، وغير ذلك مما نشترطه في المعصوم بدرجة عالية جداً، ثم نشترط حصولها في العلماء الأعلام بدرجة أقل مما للمعصوم، والتي نسميها ـ أحياناً ـ بالعدالة العالية التي يجب أن يتمتع بها المرجع والقائد الإسلامي الديني.
ويمكن أن نفهم هذه النظرية الإسلامية بمراجعة بسيطة للتاريخ الإسلامي، ولا أعني به التأريخ الذي يبدأ بالنبي محمد (ص)، إنما أعني به التأريخ الذي يبدأ بظهور الأديان في تاريخ الإنسان، فمن خلال المراجعة البسيطة لهذا التأريخ نلاحظ أن الله تعالى في كل فترة زمنية يبعث نبياً، إما للعالم أجمع أو لمنطقة معينة، وهذا النبي يقود المسيرة والأمة، ويكون مرجعاً لها.
ولم نعهد في تاريخ الأنبياء أن الله تعالى أرسل ثلاثة أو أربعة أو عشرة من الأنبياء؛ ليشكلوا المجموعة التي تقود الأمة.
وفي تاريخ أمتنا الخاتمة نعرف أيضاً ـ نحن أتباع أهل البيت (عليهم السلام) ـ أن النبي (ص) هو القائد الأول للأمة، ثم الأئمة واحداً بعد واحد.
وفي الروايات عن رسول الله (ص) التأكيد على هذا المعنى، حيث إنه كان يقول: ((إذا خرج اثنان إلى غزوة فلابد لأحدهما أن يؤمّر الآخر، فيكون أحدهما أميراً، والآخر مأموراً))، وقد نزلت هذه الآية: (أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) تأكيداً لهذه النظرية.

قيادة المرجعية للأمة:
ومن خلال مسيرة الواقع نجد في حركة أمتنا الإسلامية أنه وإن كان هناك مراجع متعددون، ولهم جماعات متعددة ترتبط بهم، باعتبار أن قضية التقليد مفتوحة، وكل يعتقد بأعلمية مرجعه، لكننا نجد دائماً ـ من خلال حركة الواقع ـ أن واحداً من هؤلاء المراجع هو الذي يقود المسيرة بشكل عام، والمراجع الآخرون يلتفون حوله ويؤيدونه.
وهذا ما شاهدناه في مرجعية الإمام الحكيم (قدس سره)، فقد دخل المعركة السياسية والاجتماعية والتغييرية في الأمة في العراق وخارجه، وكان هناك مراجع للتقليد بمستوى من المستويات، لكنهم كانوا يقفون إلى جانبه. وبمراجعة بسيطة للتاريخ يمكن أن نتبين هذه الحقيقة.
نعم، قد يختلف هذا المرجع مع ذلك في نظرية فقهية، أو قضية جزئية، لكننا لاحظنا أنهم في المسيرة العامة والمواجهة والقيادة يساند بعضهم البعض الآخر ويعاضده.
فعندما واجهنا المد الأحمر والتيارات القومية والاشتراكية، وغير ذلك من المواجهات التي عشناها في العراق، كان الإمام الحكيم (قدس سره) يتقدم المسيرة، والمراجع الآخرون يساندونه ويؤيدونه.

هذه هي النظرية الإسلامية بشكل عام، ولهذه النظرية مدلولات سياسية كثيرة على الأرض، وحركة الإنسان.

وحدة القيادة:
ولا أريد تناول النظرية بالتفصيل؛ لأن ذلك يحتاج إلى مجال أكبر. لكني أشير إلى نقطة في التأريخ يمكن لكل واحد منا أن يواجهها حتى في الحركة التأريخية لغير الإسلام، حيث أنه لم تنتصر جماعة من الجماعات، أو حزب من الأحزاب، أو حركة إسلامية أو علمانية، مؤمنة أو ملحدة، ما لم يكن هناك رجل واحد يمسك بالأمور ويقود الجماعة نحو النصر.
بل حتى في النظريات التي تؤمن بقيادة الجماعة، من قبيل الحزب الشيوعي، والنظرية الحزبية الغربية المرتبطة بالحضارة والآثار الغربية، والتي تؤمن بهذا النوع من النظريات في مقابل الديكتاتورية. حتى على هذا المستوى نجد أن الحزب الشيوعي لم يتمكن أن ينتصر في روسيا، ويحقق الدولة الشيوعية مالم يمتلك شخصية مثل لينين، يمسك مقاليد الأمور، ويقود الجماعة نحو الانتصار.
وهذه الظاهرة موجودة في كل التأريخ، غاية الأمر أن المسيرة الصالحة يكون على رأسها رجل صالح يجمع الشرائط الصالحة، وتلك هي مسيرة الأنبياء، أمّا المسيرات الفاشلة المنحرفة، فيكون على رأسها إنسان منحرف جبار طاغوت يرتكب أفظع الجرائم، كما هو الحال في مسيرة صدام وأمثاله.
قد تكون أول الأسئلة التي ترد في أذهاننا في هذا المجال هو: ما هي النظرية السياسية التي كان يؤمن بها الإمام الحكيم (قدس سره)؟
وعندما نقول النظرية السياسية للإمام الحكيم (قدس سره) لانقصد أن لديه نظرية تختلف عن بقية المراجع السابقين، وإنما نُريد أن نكتشف من خلال مسيرة مرجع عام لشيعة أهل البيت (عليهم السلام) ـ ولا شك أن الإمام الحكيم (قدس سره) كان مرجعاً عاماً وحتى الذين يحقدون عليه يعترفون بمرجعيته العامة ـ النظرية العامة التي يؤمن بها هؤلاء المراجع، وأعتقد أنها نفس النظرية التي جاء بها الإمام الخميني (قدس سره)، وانتهى إليها تفكير السيد الشهيد الصدر (قدس سره)، وغيرهما من العلماء السابقين الذين كانوا يتحركون في المجتمع.
وهذه النظرية يمكن أن نسميها (نظرية البلاغ)، وقد جاء هذا التعبير في القرآن الكريم، وذلك لأهمية الرسل (وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ...)، وتوجد هناك تعبيرات أخرى من قبيل: الإنذار، والتحذير، والتبشير، فهذه الأوصاف موجودة في عمل الرسل، ومن سار بسيرتهم.
والسؤال التالي هو: ما هي الخطوط العامة التي تميزت بها هذه النظرية عن النظريات الأخرى؟
هناك خصائص أساسية تميز نظرية البلاغ ـ التي يعبر عنها بنظرية الإمامة والمرجعية ـ عن النظريات الأخرى، من قبيل نظرية التحرك الحزبي، فمثلا التحرك الحزبي الذي يقوم على أساس التشكيلات والتنظيمات الحزبية التي تشمل الأمة كلها، له خصوصيات أساسية يتميز بها عن غيره من النظريات.
لقد كان الإمام الحكيم (قدس سره) يمتلك رؤية كاملة وصحيحة للنظرية الإسلامية، ورؤيته هي رؤية الإسلام، لا رؤية ذاتية خاصة به. وكانت رؤيته تعتمد على مجموعة من المقومات الأساسية وهي:

1ـ القيادة للمرجعية الدينية:
كان الإمام الحكيم (قدس سره) يرى أن الفقيه له الولاية من باب أن المجتمع لايبقى بدون حكومة، ويجب أن يكون الحكم إسلامياً والحاكم فيه هو الفقيه.
وكان يعتمد في رؤيته على أن المرجعية الدينية تمثل رأس الهرم في الحركة السياسية، وهي القيادة الحقيقية فيها؛ ولذلك بقي يطرح هذا المضمون بشكل مكثف في كل الاجتماعات العامة للأمة، وكان يؤكد على قيادة العلماء للأمة. ومن كانت لديه أشرطة للاحتفالات التي كانت تقام في النجف وكربلاء يمكن أن يرى قضية التأكيد على قيادة العلماء والمرجعية للأمة.

2ـ عدم فصل السياسة عن الدين:
وكلمته في ذلك معروفة ويمكن الرجوع إليها، وقد مارس ذلك عملياً. وفي تلك الممارسة العملية واجه مشكلات كثيرة جداً، باعتبار أن العصر الذي سبق عصر الإمام الحكيم (قدس سره) كانت فيه مشكلات تحيط بالمرجعية، وكادت أن تعزلها عن العمل السياسي، وكانت مفروضة على المرجعية فرضاً، والحديث فيها طويل.
فكان دور الإمام الحكيم (قدس سره) أن أخرج المرجعية من هذه الحالة إلى حالة الممارسة للعمل السياسي، وكسر الطوق الذي طوق المرجعية. وكانت هذه العملية صعبة جداً، وهناك فرق بين من يعمل في أرضية ممهدة، وبين من يكسر القيود والأغلال.
لقد كانت الأمة في العراق ـ وخصوصاً شيعة أهل البيت (عليهم السلام) ـ معزولة عن العمل السياسي لعدة قرون. ففي زمن العثمانيين لم يكن الشيعة يتحركون سياسياً، وكان التحرك السياسي مقصوراً على جماعة معينة من العشائر والقبائل. ولم ير الشيعة العمل السياسي إلا لفترة قصيرة من عام (1914 إلى 1923 م)، أي: إبان الحرب العالمية الأولى وثورة النجف ومن بعدها ثورة العشرين، وبعد ثورة العشرين بقليل، ثم توقف العمل السياسي.
فكان الإمام الحكيم (قدس سره) يريد أن يُخرج الأمة من حالة العزلة إلى حالة الدخول في العمل السياسي. وهي عملية معقدة. لكنها كانت القضية الأساسية المركزية في تصوره؛ لأن الوضع السياسي جزء حقيقي من الدين، والسياسة هنا هي السياسة التي تعتمد على دعم الأمة، وتريد أن تربط الأمة بالقيم وبالله سبحانه وتعالى والكمالات الإلهية، وهذه هي سياسة الأنبياء، وكان الإمام الحكيم (قدس سره) يرتكز عليها كأساس راسخ في نظريته.
وهذا الموضوع ذو أهمية خاصة، وأستطيع أن أعبر عنه (بالبعد الخطّي للمرجعية)؛ لأنه أعاد للمرجعية خطها الحقيقي، الذي يعني: بأن الدين والسياسة لايمكن أن ينفصلا بأي حال من الأحوال فالسياسة؛ جزء من الدين، وان المرجع لابد له أن يمارس العمل السياسي.
فكان الإمام الحكيم (قدس سره) يرجع الناس إليه بشكل حقيقي من خلال ارتباطهم به بالتقليد، وعليه فقد مارس العمل السياسي في مختلف الشؤون السياسية التي تهم الأمة، وأعطى من خلال ذلك هذا الدور للمرجعية، وهو ما كان يمارسه الأنبياء والأئمة والعلماء من بعدهم.

3ـ الحوزة العلمية وتربية العلماء:
كان الإمام الحكيم (قدس سره) يعتمد في هذا المنهج والاستراتيجية مسألة الحوزة العلمية، وتربية العلماء والمبلغين، وملء الأماكن الشعبية بهؤلاء بالقدر الممكن. وكان يسعى لذلك سعياً حثيثاً. وكان يهتم بالمساجد والحسينيات، وكل ما يرتبط بهذه القضية، وكان يحرص على أن يكون في كل بقعة أو محلة أو ناحية عالم أو مبلّغ.
وعلى هذا الأساس تمكن خلال عشرة سنوات أن يرفع عدد العلماء وطلاب العلوم الدينية في النجف الأشرف من 1500 إلى أكثر من 7000، وهذه نسبة هائلة كما نلاحظ، تصل إلى حوالي 500% في هذه الفترة، وهي نسبة قياسية في حركتنا الحوزوية العلمية في كل تاريخنا المرجعي، حتى في تاريخنا المعاصر، فهذه الحوزة العلمية في قم، وهي حوزة عظيمة جداً، ولكن مع ذلك لم تصل النسبة لهذا القدر الهائل.
وقد استفاد الإمام الحكيم (قدس سره) هذه القضية من الأئمة (عليهم السلام) فقد اهتموا منذ الصدر الأول للإسلام بمسألة تربية العلماء والمبلغين، وكانت ظروف الإمام الباقر (عليه السلام) هي الأنسب لبدء هذا المشروع، ثم أخذ هذا المشروع يتنامى في زمن الإمام الصادق (عليه السلام) وأصبح ظاهرة في كل عالم التشيع بشكل حوزات علمية وعلماء ومبلغين.
وبهذه الطريقة تمكن الأئمة (عليهم السلام) أن يعبئوا الأمة، وكان هذا أحد الأسباب الأساسية لديمومة مذهب أهل البيت (عليهم السلام) وبقائه. فلا يكفي في بقائه أن يكون مذهب حق فحسب، إنما يحتاج إلى منهج صحيح.
فكان الأساس الأول في حركة التشيع هو العلم والحوزات العلمية. أما الأساس الثاني فكان التضحية والفداء، وهو خط الإمام الحسين (عليه السلام)، هذه قضية أساسية ومركزية في حركتنا ومسيرتنا، ولابد أن نعيها بشكل واضح.

4ـ توطيد العلاقة بين المرجعية والأمة:
اهتم الامام الحكيم (قدس سره) بشكل رائع وعظيم بأن تكون علاقات المرجعية بالأمة علاقات متكاملة وجيدة ـ كما ذكرنا في الفصل السابق ـ ولم يهتم بطبقة معينة فقط من الأمة، كالتجار، أو الكسبة مثلا، أو أولئك الذين يتمكنون من دعم المرجعية وتمويلها، بل اهتم بكل طبقات الأمة وفئاتها وجماعاتها. الموظفين، والشباب الجامعيين، والجنود. وأتذكر أن عشرات الرسائل التي تصل نسبتها أحياناً إلى 80% كان الإمام الحكيم (قدس سره) يكتبها ابتداءً أو جواباً لمثل هذه الطبقات التي تشكل هذا القدر الواسع.

فكما يجيب على رسالة الجندي والموظف والطالب، بل كان يهتم حتى بالسجناء الذين يعتبرون طبقة معزولة عن المجتمع، ولا أعني بذلك السجناء السياسيين؛ لأنهم جزء أساسي من المجتمع. إنما أعني السجناء العاديين، ممن يرتكبون الجرائم المختلفة كالسرقة والقتل.
لقد كان يراسل هؤلاء جميعاً، ويقضي حوائجهم، ويحول لهم الأموال أحياناً، كل ذلك ليربط الأمة بحركة المرجعية.
إن الانفتاح على الأمة، والتحاور مع مختلف طبقاتها قضية أساسية ومركزية في عقلية الإمام الحكيم (قدس سره)، وهذا هو منهج الإسلام، فالقرآن الكريم يخاطب الناس في القسم المكي من آياته، وأما في القسم المدني فيقول: يا أيها الذين آمنوا؛ لأن عامة الناس كانوا مؤمنين.

5ـ دعم الوحدة الإسلامية:
الوحدة الإسلامية، والانفتاح على المذاهب الأخرى، وهذه من القضايا المعقدة التي واجهها الإمام الحكيم (قدس سره) في العراق؛ ذلك لأن قضية الطائفية تعتبر أعقد القضايا في العراق؛ لأن الشيعة هناك مضطهدون مطاردون، وكانت حقوقهم مهدورة، والاضطهاد يمارس ضدهم في كل المستويات، في السوق والجامعة والوظيفة وغيرها. ومع ذلك كان الإمام الحكيم (قدس سره) يريد أن يحقق الوحدة الإسلامية، ويهتم بقضايا الأمة الإسلامية الكبرى، وفي الوقت نفسه يدافع عن حقوق شيعة أهل البيت (عليهم السلام) وكان هذا من أعظم الإنجازات السياسية له. فكان موقفه المعروف من الشهادة الثالثة، ومن تعمير العتبات المقدسة، والشعائر الحسينية، وموقفه في المطالبة بحقوق الشيعة على مختلف المستويات، وفي الوقت نفسه كان يهتم بقضية وحدة المسلمين، فيوازن بين الحركتين بحيث تكون النتيجة متجانسة. فتمكن أن يحفظ وحدة المسلمين في العراق، وهو أول من دافع عن الحكم الإسلامي في الجهاد ضد الانكليز. كما دافع عن المسلمين السنّة عام 1958 و 1959، حيث كانت هناك محاولات لضرب العلماء السنّة. كما دافع عن الأكراد في شمال العراق وأكثريتهم الساحقة من السنة. وكذا موقفه من قضية فلسطين، وموقفه ضد المحاولة التي تبناهآنذاك النظام المصري من الاشتراكية؛ لتحريف الإسلام وجعل المنهج الاشتراكي وكأنه يمثل الخط الإسلامي الأصيل..

وكذلك موقف الإمام الحكيم (قدس سره) من قضية إعدام قادة الإخوان المسلمين بمصر وشجبه لعملية الإعدام..
وتعامله ومواقفه مع التيارات الكافرة التي اجتاحت الساحة الإسلامية، الغربية منها والشرقية، فالإمام الحكيم (قدس سره) حفظ التوازن بين وحدة المسلمين من ناحية، والدفاع عن الشيعة من ناحية أخرى؛ لذلك أصبح للمرجعية الدينية كيانها السياسي القوي المتفاعل في أوساط الأمة، وله أجهزته الناشطة فيها.
وهذا ما يجب أن نفهمه في قضية الوحدة بين المسلمين. فعندما نقول: يجب أن يتحد المسلمون، فهذا لايعني التخلي عن مذهب أهل البيت (عليهم السلام) أو أتباع مذهب أهل البيت (عليهم السلام) انما نعني أننا في الوقت الذي ندافع عن مذهب أهل البيت ونتمسك به، ونسعى لحفظ حقوق الشيعة، فإننا نفتح قلوبنا وصدورنا لبقية المسلمين، لنكون جميعاً قوة واحدة مقابل أعداء الإسلام وأعداء الثورة الإسلامية.
هذه هي الخطوط الأساسية التي يتحرك عليها الإمام الحكيم (قدس سره).

حالته الاجتماعية:


لمرجع الطائفة الإمام الحكيم (قدس سره) اربعة عشر من الأبناء، 10 من الذكور، و4 من الأناث، أما الذكور:
1ـ آية الله السيد يوسف الحكيم (قدس سره)
2ـ الشهيد آية الله السيد محمد رضا الحكيم (قدس سره)
3ـ الشهيد حجة الإسلام والمسلمين السيد محمد مهدي الحكيم (قدس سره)
4ـ المرحوم حجة الإسلام السيد محمد كاظم الحكيم (قدس سره)
5ـ شهيد المحراب آية الله العظمى السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره)
6ـ الشهيد حجة الإسلام والمسلمين الدكتور السيد عبد الهادي الحكيم (قدس سره)
7ـ الشهيد آية الله السيد عبد الصاحب الحكيم (قدس سره)
8ـ الشهيد حجة الإسلام والمسلمين السيد علاء الدين الحكيم (قدس سره)
9ـ الشهيد حجة الإسلام والمسلمين السيد محمد حسين الحكيم (قدس سره)
10ـ عزيز العراق حجة الإسلام والمسلين السيد عبد العزيز الحكيم (قدس سره)

اصهاره:
1ـ آية الله السيد محمد علي الحكيم (قدس سره)
2ـ حجة الإسلام والمسلمين السيد ابراهيم اليزدي (قدس سره)
3ـ حجة الإسلام والمسلمين الشيخ محمد حسن نجف (قدس سره)
4ـ الوجيه السيد عبد الكريم الحكيم (رحمه الله)

وفاته:


أصيب الإمام الحكيم (قدس سره) بالمرض الخبيث وذلك في عام (1970 م)، وقد اشرف على علاجه طبيب خاص في لندن في مستشفى (سنت بيل)، وأثمرت المتابعة وتماثل للشفاء نسبياً، ويبدو أن الأطباء هناك أدركوا أن حالته لا يمكن أن تصبح أفضل من ذلك وبالإمكان متابعة شفائه في بغداد.
وعاد الإمام الحكيم (قدس سره) إلى العراق في آذار عام (1970 م) وأدخل مستشفى (ابن سينا) واصبحت ساحات المستشفى وحدائقها ميدانياً للأعداد الكبيرة من زوار الإمام الحكيم (قدس سره) الا أن رؤيته كانت تقتصر على بعض الإعلاميين والمستشارين الخاصيين لظروفه الصحية الحرجة.
وعلى الرغم من وضعه الصحي المتردي الا أن ذلك لم يؤثر على عمل ذاكرته كما أكد ذلك أحد الأطباء عند زيارته لسماحة المرجع (قدس سره).
ان استقرار حالته المتدهورة دفعت عائلته لنقله الى داره الواقعة قرب المستشفى؛ لكن في الساعة العاشرة من مساء يوم الثلاثاء المصادف الأول من حزيران عام (1970) انتقل الى جوار ربه صابراً محتسباً.
ذاع الخبر في الشارع وسارع محبو الإمام الحكيم (قدس سره) الى داره، وبعد المداولة حمل نعشه الطاهر ليلاً إلى الكاظمية، إذ تمّ غسل جثمانه الطاهر ووضع في مرقد الإمامين الكاظمين (عليهما السلام) حتى الصباح، وطوال الليل تقاطر آلاف الناس والمحبين من كل حدب وصوب لإلقاء نظرات الوداع على مرجعهم، ومشاطرة أنجاله وذويه في حزنهم.
نقلت الحكومة العراقية الخبر بإلغاء برامج الإذاعة العراقية المعتادة في ساعة مبكرة، وأعلنت نبأ الوفاة واقتصرت برامجها على تلاوات قرآنية وأناشيد قومية ووطنية.
أما صدى الوفاة اقليمياً وعالمياً فقد عمّ الحزن والأسى في العالم الإسلامي أثر سماعهم نبأ رحيل مرجع الطائفة الإمام الحكيم (قدس سره) وأعلنت بعض الدول الحداد العام كباكستان وافغانستان والكويت ومصر وايران، ولبنان التي اكتفت ببث القرآن الكريم والنشرات الاخبارية.
شيّع جثمانه الطاهر في اليوم التالي من الكاظمية مروراً بالأعظمية فشارع الرشيد وجسر الأحرار بأعداد غفيرة وعندما وصل الجثمان عند بناية الإذاعة والتلفزيون خرج لإستقباله الرئيس احمد حسن البكر يرافقه وزير الأوقاف الدكتور احمد عبد الستار الجواري. ما ان بدأ يسير خلف الجثمان حتى تعالت الهتافات من قبل المشيعين واتجهت نحو الرئيس وهي تهتف: (سيد مهدي مو جاسوس .. اسمع يالرئيس .. سيد مهدي مو جاسوس اسمع يالخائن)، وخشية من تطور الموقف اكثر سوءاً حضرت سيارات شرطة النجدة وحملت الرئيس.
يبدو أن المشيعين بعملهم هذا سعوا للانتقام من الرئيس لإتهام الشهيد السيد محمد مهدي الحكيم (قدس سره) فأثر ذلك سلباً على صحة والده الإمام الحكيم (قدس سره)، ثم وفاته.
ثم حملت الجنازة على احدى السيارات وسار خلفها المودعون متجهة إلى مدينة كربلاء المقدسة، ولشدة التزاحم شقت السيارة التي حملت جثمان الإمام الراحل (قدس سره) طريقها بصعوبة بالغة.
استقبل جثمان الإمام الحكيم (قدس سره) في مدينة كربلاء المقدسة من قبل مقلديه ومريديه وعلى رأسهم العلماء الأعلام، وأخذت الجماهير تبكي لعظم المصاب، فتمت زيارة الجثمان للحضرة الحسينية والعباسية. وقد أديت الصلاة عليه من قبل نجله آية الله السيد يوسف الحكيم (قدس سره)، وعندما بلغت الساعة العاشرة مساءاً قرر ابقاء الجثمان حتى الصباح في المدينة، حينها عاشت مدينة كربلاء المقدسة ساعات عصيبة اذ اغلقت الأسواق وعطلت الأعمال لإنتظار ساعة التشييع لأجل المساهمة في ذلك. وما ان اعلنت مكبرات الصوت عن بدء التشييع حتى تدافع الناس الى صحن العباس (عليه السلام) للمساهمة بالتشييع.
وحمل جثمان الإمام الحكيم (قدس سره) من كربلاء المقدسة حتى (خان الخيلة) والذي يبعد عشرين كيلو متر عن كربلاء المقدسة واصيب المشيعون بالأعياء وتداركوا الموقف أنجال الإمام الراحل (قدس سره) ووضعوه في احدى السيارات وسارت به إلى النجف الأشرف.
استقبلت النجف الأشرف الجثمان الطاهر واستعدت لذلك بتعطيل المدينة وغلق اسواقها ودوائرها، وهرجت مواكب العزاء يتقدمها العلماء الأعلام والفضلاء، بالإضافة الى العديد من الشخصيات الإسلامية، وقد استغرقت مدة التشييع يومين.
خطب نجله شهيد المحراب آية الله العظمى السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره) في الصحن الحيدري الشريف خطبة بليغة عزى بها المسلمين بالفاجعة الكبرى، وأدى نجله آية الله السيد يوسف الحكيم (قدس سره) الصلاة عليه، ثم ادخل الجثمان الى مرقد أمير المؤمنين (عليه السلام) لأداء مراسيم الزيارة، ثم اتجهت الناس نحو مكتبته، حيث أعد الإمام الحكيم (قدس سره) لنفسه مقبرة فيها.
ثم اقيمت مجالس الفاتحة على روحه الطاهرة في النجف الأشرف في مسجد الهندي ولمدة أربعين يوماً من الساعة الثامنة صباحاً وحتى الحادية عشر مساءاً، وفد المعزون على شكل مواكب من جميع انحاء العراق عرباً وكرداً وتركماناً لتعزية أنجال الفقيد (قدس سره) وعلى رأسهم آية الله السيد يوسف الحكيم (قدس سره)، لم تقتصر مجالس العزاء على النجف الأشرف فحسب بل امتدت بشكل واسع في أرجاء العراق، كما عقد مجلس الفاتحة على روح الفقيد في جامع السيد عزيز في العاصمة الإيرانية طهران، كما قامت مجالس الفاتحة في تبريز واصفهان، وكذلك أقامت هيئة علماء جبل عامل في لبنان مجلس الفاتحة والعزاء على روح الإمام الراحل (قدس سره) في العديد من المساجد.
وكذلك ارسل الفاتيكان وفداً رسمياً لتقديم العزاء والمشاطرة بالمصاب الأليم.
واستمرت اقامة مجالس الفاتحة والعزاء حتى يوم الأربعينية، إذ ألقيت فيها القصائد والكلمات التي تأبن الفقيد الراحل الإمام الحكيم (قدس سره)، وكذلك الحال في الذكرى السنوية لوفاته، إذ عمت حالة الحزن وأقيمت مجالس الفاتحة في النجف الأشرف وغيرها من مدن العراق وبعض من المدن في العالم الإسلامي.

ملاحق:


أولاً: أحفاده الذين أصبحوا من أهل العلم:
1ـ السيد كمال الدين السيد يوسف الحكيم
2ـ السيد عبد الوهاب السيد يوسف الحكيم
3ـ السيد محمد أمين السيد يوسف الحكيم
4ـ السيد محمد صادق السيد يوسف الحكيم
5ـ السيد علي السيد محمد مهدي الحكيم
6ـ السيد رضا السيد محمد كاظم الحكيم
7ـ السيد صادق السيد محمد باقر الحكيم
7ـ السيد حيدر السيد محمد باقر الحكيم
8ـ السيد حسن السيد عبد الهادي الحكيم
9ـ السيد علي السيد عبد الهادي الحكيم
10ـ السيد علي السيد عبد الصاحب الحكيم
11ـ السيد جعفر السيد عبد الصاحب الحكيم
12ـ السيد حسين السيد علاء الدين الحكيم
13ـ السيد هادي السيد محمد حسين الحكيم
14ـ السيد علي السيد محمد حسين الحكيم
15ـ السيد عمار السيد عبد العزيز الحكيم


ثانياً: أسباطه الذين أصبحوا من أهل العلم:
1ـ السيد محمد سعيد السيد محمد علي الحكيم
2ـ السيد محمد تقي السيد محمد علي الحكيم
3ـ السيد عبد الرزاق السيد محمد علي الحكيم
4ـ السيد محمد حسن السيد محمد علي الحكيم
5ـ السيد محمد صالح السيد محمد علي الحكيم
6ـ السيد عبد المنعم السيد عبد الكريم الحكيم
7ـ السيد عبد المجيد السيد عبد الكريم الحكيم
8ـ الشيخ محمد مهدي الشيخ محمد حسن نجف


ثالثاً: أولاد احفاده الذين أصبحوا من أهل العلم:
1ـ السيد حيدر السيد محمد أمين السيد يوسف الحكيم
2ـ السيد زكي السيد محمد أمين السيد يوسف الحكيم
3ـ السيد زيد السيد عبد الوهاب السيد يوسف الحكيم
4ـ السيد جعفر السيد محمد صادق السيد يوسف الحكيم
5ـ السيد حيدر السيد محمد صادق السيد يوسف الحكيم
6ـ السيد جعفر السيد صادق السيد محمد باقر الحكيم

التعليق