ان نظام القائمة المفتوحة ينتج برلمانا قويا، اما نظام القائمة المغلقة فلا ينتج الا برلمانا ضعيفا هو اشبه ما يكون بالديكور في البلد او ما يمكن ان نطلق عليه تسمية (برلمان من ورق).
ان قوة اي نظام سياسي تنبع من قوة برلمانه، وان قوة البلاد وهيبتها ومنعتها تبدا من تحت قبة البرلمان، ولذلك تحرص الدول المتقدمة التي تعتمد الديمقراطية كنظام سياسي، على انتاج برلمان قوي مقتدر، من خلال صناديق الاقتراع.
ان المرحلة القادمة بحاجة الى اتخاذ قرارات صعبة ومهمة، منها ما يتعلق بالدستور والنظام السياسي، ومنها ما يتعلق بتشكيل حكومة قوية منسجمة مع نفسها ومع الواقع، ومنها ما يتعلق بتشريع حزمة القوانين التي ظلت عالقة لسبب او لآخر، وكل ذلك لن يتحقق الا على يد برلمان قوي، يمتلك قراره وارادته.
فبالبرلمان القوي:
اولا: سنحارب الفساد بكل اشكاله، والذي استشرى بسبب المحاصصة التي حولت البرلمان الى ما يشبه الزوج المخدوع، آخر من يعلم بالحقائق.
ثانيا: تفعيل دور الرقابة والمحاسبة الذي يعد من اعظم مهام اي برلمان حقيقي في اي بلد يحترم دستوره وقانونه ونظامه السياسي، بعد مهمة التشريع.
ثالثا: اعادة الاعتبار الى قيمة صوت النائب، وكيل المواطن، تحت قبة البرلمان، والغاء نظام القبيلة الذي ظل يخيم على اعمال البرلمان الحالي.
رابعا: تحقيق نظرية ان الانجاز للعراق وليس للحزب او للرمز او للشخص، فعندما يساهم كل عضو في البرلمان بنصيبه في الانجاز، فسيكون المنجز حاصل الجهد المشترك للجميع، ولذلك لا يسمح البرلمان، لاي كان، بان يصادر النجاحات لتسجيلها باسمه او باسم حزبه او حتى باسم كتلته.
خامسا: سنضمن بالبرلمان القوي، قوة الدولة وقوة الحكومة وقوة البلاد، لان قوة كل هذه المسميات هي من قوة البرلمان اولا واخيرا.
سادسا: سنضمن كذلك حضورا فاعلا للاعضاء، فلا نجدهم الا تحت قبة البرلمان، او في الشارع بين الناس يصغون الى مشاكلهم ويسمعون مقترحاتهم، ويقفون على تفاصيل حياتهم اليومية، فلا يبتلي البرلمان بكثرة غياب اعضائه، ما يسبب بتعطيل الكثير جدا من جلساته.
ان الانتخابات البرلمانية القادمة، مفصلية ومهمة واستراتيجية بكل معنى الكلمة، فاذا كان تاريخ التاسع من نيسان عام 2003، والذي شهد سقوط الصنم في مزبلة التاريخ، بداية التاسيس لعراق جديد يختلف جذريا عن العراق القديم، عراق الطاغية الذليل صدام حسين، عراق الاستبداد والديكتاتورية والنظام الشمولي، فان تاريخ السادس عشر من كانون الثاني 2010، بداية تجديد العراق الجديد، الذي شهد الكثير جدا من الاخطاء والاخفاقات التي ربما يغفرها المواطن العراقي بسبب حداثة التجربة الديمقراطية في البلاد، ولكنه سوف لن يغفر اية اخطاء كبيرة اخرى، كتلك التي ارتكبتها الاحزاب السياسية التي خلفت الطاغية في السلطة في بغداد، بعد هذا التاريخ.
ان تجديد العراق الجديد، برايي، يبدا من قانون الانتخابات الذي تحول اليوم الى ما يشبه الكرة تتلاقفها اقدام السياسيين بين الحكومة والبرلمان والاحزاب السياسية.
ان المسؤولية الاكبر في انتاج التجديد تقع على عاتق المواطن العراقي، الذي يمتلك قدرة التغيير في خارطة البرلمان القادم، الا ان كرة القانون لا زالت حتى الان في ملعب السياسيين، وان كل الذي يتمناه الناخب العراقي هو ان يسرع السياسيون في تشريع القانون بما يمنحه القدرة الكافية على الاختيار، فبمثل هذه القدرة سيحقق الناخب التغيير المطلوب.
وسيتحمل السياسيون كامل المسؤولية اذا اصروا على تشريع قانون لا يلبي رغبة الناخب في امتلاك ارادة الاختيار، من خلال نظام القائمة المغلقة مثلا، او اعتبار العراق دائرة واحدة، لان ذلك سيدفع بالناخب الى ان يتردد في المشاركة في الانتخابات القادمة، وربما سيقرر مقاطعتها بالكامل، ما يعرض العملية السياسية برمتها الى مخاطر جمة، بعد ان يعرض شرعيتها للسؤال ولاكثر من علامة استفهام، اعود واقول بان السياسيين وحدهم سيتحملون المسؤولية بالكامل.
للاسف الشديد، فان الناخب العراقي وقانون الانتخابات هو الان تحت رحمة الاحزاب السياسية، خاصة المشاركة في العملية السياسية التي تخشى كثيرا من تغيير قانون الانتخابات بما يكفل التغيير المرجو.
لقد اثبت السياسيون، من خلال صورة الائتلافات الجديدة التي اعلنوا عنها لحد الان، وما شنفوا به اسماعنا من مقاطع انشائية هي نسخ طبق الاصل لمقاطع انشائية سابقة كان قد سمعها الناخب في اكثر من مناسبة، قالوا انها نصوص برامجهم الانتخابية، انهم لا ينوون التغيير، باستثناء الصوري الشكلي الذي يلامس المساحيق والرتوش فقط، دون الجوهر والعمق، ولذلك لا يمكن التعويل عليهم لاحداث التغيير، الذي يعتقد، بضم الياء، بانه ليس من صالحهم ابدا، كونهم يعتقدون انهم الافضل من بين كل العراقيين للبقاء في السلطة، لانهم يعتقدون بان الله الذي خلق اشخاصهم (العظيمة والاستثنائية) قد كسر قوالبهم فلم يعد في البلد غيرهم يفهم شيئا.
يبقى ان ننتظر من المواطن العراقي ليحقق مثل هذا التغيير، فهو صاحب الصوت وصاحب الراي وفوق كل ذلك، صاحب المصلحة في التغيير نحو الافضل، الذي سيغير به الخارطة السياسية، طبعا اذا اراد ذلك، وذلك من خلال ما يلي:
اولا: ان لا يصوت لكل من اثبت فشله في تجربة الاعوام السابقة، فلا ينتخب الوجوه المحروقة والشخوص البالية، كما ان عليه ان لا يمنح ثقته لاناني متهالك على السلطة يغير ولاءاته كلما اقتضت مصالحه ذلك.
كذلك، عليه ان لا يصوت لمن لا يؤمن بالعملية السياسية الا ظاهرا، ممن ظل يجتمع ببدنه نهارا تحت قبة البرلمان، فيما يحضر في ظلمة الليل بقلبه وميوله وولائه مع الارهابيين والقتلة والمجرمين، يدعمهم ويشاركهم خططهم الجهنمية التي تسعى لاعادة عقارب الساعة في العراق الى الوراء.
ثانيا: ان لا يصوت للمجهولين، وان عليه ان يبحث عن المرشحين المعروفين، من اجل ان لا يبدا التجربة من نقطة الصفر فيضيع الوقت والجهد.
يجب ان يفكر الناخب بطريقة تمكنه من تغيير ما لا يقل عن ثلاثة ارباع اعضاء البرلمان الحالي، ليضمن تغييرا مريحا في الاجندات والمشاريع والرؤى.
لقد افرزت السنوات السبع الماضية الكثير من القيادات الشابة والطموحة والكفوءة، القادرة على قيادة التغيير، شريطة ان تجد الفرصة المناسبة لتسنم مواقع المسؤولية، والتي لا يخلقها لها الا الناخب الحريص على بلده ومستقبل ابنائه، اما الاحزاب والسياسيين، فلن يخلقوا مثل هذه الفرص لان الحاكم في اعرافهم هو الولاء الحزبي واحيانا العائلي ليس الا.
يجب ان لا ينتخب المواطن مرشحين هامشيين امعات لا يمتلكون الشجاعة على قول نعم او لا، فتراهم يتلفعون بقول (لعم) لارضاء الجميع، القاتل والمقتول، ليس لها اي رصيد شخصي، تظل اسيرة مواقف القائمة التي حملتها الى البرلمان، حتى اذا تعارضت مع المصالح العامة والعليا للبلاد.
ثالثا: ان يشارك في الانتخابات بأية صورة من الصور، فالمقاطعة تخدم السياسيين ولا تخدم الناخب، كما انها تخدم الحال ولا تخدم التجديد، لان التغيير يحصل من خلال المشاركة والتصويت لكل ما هو جديد، وليس بالمقاطعة، ولقد راينا كيف ان الاحزاب الحاكمة استفادت من مقاطعة الملايين السبعة للانتخابات الماضية، للعودة الى السلطة المحلية في المحافظات، فلو كانت هذه الملايين قد شاركت في تلك الانتخابات وصوتت لمرشحين جدد لما سيطرت ذات الاحزاب على السلطة.
رابعا: كما ان عليه ان يحرم، بتشديد الراء وكسرها، على نفسه بيع صوته ولو مقابل ملك الدنيا وما فيها، لان صوته مستقبل، يحدد فيه حياته وحياة ابنائه، وان صوته وطن، يبني به البلد، فاذا باعه فسيساهم في تكريس الواقع الحالي الذي يشتكي منه الان، هو قبل غيره، لانه المتضرر الاول والاخير منه.
اذا باع الناخب صوته وبقي الحال كما هو عليه الان، فلا يلومن الا نفسه.
ان من ينشد التغيير عليه ان لا يبيع صوته، ليحفظه من الدنس، ليكون قادرا به على التغيير نحو الافضل.
نعم، في حالة واحدة فقط، فان المقاطعة تنفع في تحقيق التغيير، وذلك عندما يصر السياسيون على تشريع قانون للانتخابات لا يلبي طموحات الناخب العراقي، ولا يمكنه، بتشديد الكاف وكسرها، من احداث التغيير، فيكبل ارادته ويصادر خياراته، وسيكون ذلك عندما يتوافق السياسيون على نظام القائمة المغلقة وان العراق دائرة انتخابية واحدة، فان ذلك يعني ان السياسيين مصممون على عرقلة التغيير الذي يسعى اليه المواطن العراقي.
وبصراحة اقول، فلو شرع السياسيون مثل هذا القانون فسأكون اول من يدعو الى مقاطعة الانتخابات التشريعية القادمة، وان مثل هذه الدعوة هي بمثابة استفتاء شعبي على ذات القانون.
ان اصرارهم على مثل ذلك سيدلل بما لا يدع مجالا للشك من انهم يريدون استغباء الناخب واستغفاله وانهم يريدون مواطنا اعمى يمنح صوته لمن لا يعرفه، بل يمنح ثقته من دون ان يعرف اين سيحل بها الزمن، فقد يمنحها القانون الى عدوه او الى من لا يحبه بل ربما يكرهه.
بالاضافة الى ذلك، فان نظام القائمة المغلقة سيسبب على افراغ الديمقراطية من محتواها الحقيقي، واقصد به منح الناخب حرية الاختيار، ما يعني انه ينتج نوعا من انواع احتكار السلطة، وان كانت بادوات شبه، بضم الشين وتشديد الباء وكسرها، للبعض انها ديمقراطية.
ان الاغلبية الكبيرة جدا من الاحزاب السياسية، سواء الحاكمة او تلك التي خارج السلطة، اعلنت رغبتها، بل حرصها، في تشريع نظام القائمة المفتوحة، بالاعلام على الاقل، كما ان المرجعية الدينية اعلنت مثل هذه الرغبة والحرص كذلك، فضلا عن جل منظمات المجتمع المدني والكثير جدا من السياسيين والشخصيات العامة والاعلاميين والكتاب والمثقفين، فماذا يعني لو صدر قانون الانتخابات يحمل نظام القائمة المغلقة؟ الا يعني انه بذلك سيصدر بالضد من ارادة اغلبية العراقيين؟.
عندها ستكون المقاطعة مشروعة كعصيان مدني لاسقاط التشريع من اجل قانون جديد يلبي الحاجة الى التجديد في العراق الجديد.
اتمنى على الاحزاب، خاصة الحاكمة، ان تسعى من اجل التجديد قبل ان يتجاوزها الناخب ويتجاوزها الزمن.
قد يكون نظام القائمة المغلقة مكسبا للاحزاب، الا انها ليست كذلك للعراق كبلد وكمواطن ينتظر ان يتغير حاله نحو الافضل والاحسن.
ربما ستخسر الاحزاب بعض المواقع اذا ما بادرت للتجديد، وقد تخسر بعض الارباح الحزبية، الا انها بكل تاكيد ستربح نفسها وستربح العراق، كما انها ستربح الناخب على المستوى البعيد، وهذا هو المهم الذي يجب ان تفكر به وتضعه نصب عينيها عند التفكير والتخطيط، لتكون مشروع دولة ومشروع وطن ومواطن، وليس مشروع عائلة او حزبية ضيقة او مناطقية محدودة او حتى دين او مذهب او تيار.