المقالات المنشورة تعبر عن وجهة
نظر
أصحابها
ولا تعبر بالضرورة
عن وجهة نظر الموقع
عندما تخضع دول المنطقة لمنطق ضيق وتدخل في محاور ضد بعضها، وتتعامل مع جيرانها كاعداء وخصوم تاريخيين، فانها في الحقيقة تتآمر على نفسها.. وتحكم بالاعدام على قيادتها ودورها وواجباتها.. وتوفر شروط الاستقواء الدولي علينا. وعندما يتحكم الحكام برقاب مواطنيهم ويستولون بالقمع والاستبداد على كافة الحقوق ليتركوا الشعب ضعيفاً ممزقاً، فانهم يتآمرون على انفسهم ومصادر قوتهم ويوفرون شروط الاستقواء الدولي عليهم وعلينا. وعندما تتخلف القوى النخبوية والشعبية عن تنظيم رؤية تأسيسية لعقد اجتماعي يوفر مستلزمات الحكم بما يحقق العدالة والحرية ويحقق مطامح الشعب وحقوقه بشكل متراكم ومتصاعد فانها تحكم على دورها في حكم نفسها. فيعم التعسف والحرمان والتدخل الخارجي الذي لا يترك مجالاً الا لثورات وانتفاضات ناقصة المقومات.. مما يرتد لاحقاً علينا جميعاً.. فنعود مرحلة الى الوراء بدل ان نتقدم خطوة الى الامام.
ان عجزنا عن بناء تجارب تستطيع النهوض لبناء دورات حضارية بالمنطق “الخلدوني” او “التوينبي” او “الهيغلي” او اي منطق قديم او معاصر، يتركنا امام تجارب عاطلة لا تمتلك مقومات المراكمة والبقاء.. فتأتي كل مرحلة لتنسف ما سبقها.. فتنهار الاساسات ونصبح اضعف مما كنا عليه. لذلك نشهد اليوم سقوط كل النظريات التي تؤسس لحكم حزب او فرد او طبقة او قومية او مذهب واحد.. كما نشهد سقوط كل نظريات القيادة الاحادية لدولة او محور على بقية الدول وتيارات الاقليم.. اننا نستهلك انفسنا داخلياً عندما نتصور ان جهة واحدة ستتمكن في نهاية الامر من حكم شعب كامل.. كما نستهلك انفسنا مناطقياً عندما نتصور ان بلداً او محوراً واحداً يستطيع ان يقود المنطقة.
فلا مستقبل لنا ان لم تحسم شعوبنا ونخبنا امرها لبناء مواثيق ودساتير ضامنة لحقوق المواطنين والجماعات وحرياتهم وحكم الشعب.. ومنع الاستفراد وحق التداول بما يضمن عوامل التجديد. وستضعف دولنا نفسها وتضطر لاستقدام الخارج علينا ان فقدت تأييد شعوبها او دخلت في معارك ومحاور مع جيرانها.. فهذه لحظة تاريخية لبناء مجتمعاتنا ومنطقتنا وفضاءاتنا الاقليمية فنطوق كل خلافاتنا -الكثيرة ولاشك- بكل مشتركاتنا ومصالحنا الاعظم القادرةعلى تطويق مشاكلنا وتصريفها.. لنتقوى ببعضنا بما يؤسس لنهضة ناجحة متصاعدة متصالحة مع نفسها وعقلها وتاريخها، متصالحة مع عالمها الخارجي.. لندخل دورة الحضارة والامم من ابوابها الواسعة.”