دولة ولم تستقر الدولة، دخل حروب ثلاث ولم تستقر دولته التي دامت أربع سنين وأشهر، الشخص الذي لم يستطع أن يؤسس دولة مستقرة كيف نعتبره إنساناً ناجحاً!
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى «5» وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى «6»﴾ [الليل: 5 – 6] ﴿فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى﴾ [النازعات: 41]
صدق الله العلي العظيم
كيف تكون شخصية ناجحة، وكيف تقتدي بالشخصية العلوية الناجحة المتمثلة في شخصية الإمام أمير المؤمنين علي ، فحديثنا في عدة محاور:
في تعريف النجاح وأقسامه.
في معالم النجاح ومبادئه.
وفي معالم النجاح في شخصية الإمام أمير المؤمنين علي .
هناك فرق بين النجاح والفوز، الفوز هو انتصار مؤقت، والنجاح هو استمرارية في التألق.
قد يفوز إنسان في لعبة كرة قدم فهذا يسمى فوز، ولكن قد يستمر متألقاً في إنتاجه ووظيفته فيسمى هذا نجاح، هولاكوي أستاذ علم نفس إيراني مقيم بالولايات المتحدة يقول: هناك نجاح نسبي وهناك نجاح حقيقي، معالم النجاح النسبي هو الذي يختلف باختلاف المجتمعات.
والنجاح الحقيقي هو النجاح الثابت في كل مجتمع، مثلاً في بعض المجتمعات الشرقية من معالم النجاح هو أن تكتسب ثلاث خاءات:
خون، خاك، خذا، خون أي أن يكون دمك من قبيلة معروفة، وخاك يعني أن تنتسب إلى تراب ووطن معروف، وخذا أن تكون مسلماً أو موحداً، من اكتسب الخاءات الثلاث فهو ناجح في هذه المجتمعات وإن كان فاشلاً في عمله ودراسته، مثلاً في المجتمعات الصناعية من امتلك المال والقدرة على استثمار المال والشهرة فهو ناجح حتى لو كان سيء الخلق بأهله، وسيء المعاملة للآخرين يعتبرونه ناجح لأنه يملك المال والشهرة والقدرة على استثمار المال، في المجتمعات المعلوماتية من امتلك المعلومة والقدرة على توظيف المعلومة فهو ناجح وإن كان فاشلاً في حياته الزوجية، إذن هذه كلها نجاحات نسبية وليست نجاحات حقيقية.
النجاح الحقيقي هو الذي يتمتع بهذه السمات الأربع: الهدفية، السكينة، الإنتاجية، وتحقيق الذات.
السمة الأولى: الهدفية؛ أن تكون إنساناً هادفاً في حياتك لا تعيش مضطرباً ولا متخبطاً، تعرف أهدافك وتمشي نحوها، أن تكون إنساناً هادئاً مطمئناً ﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا همْ يَحْزَنُونَ﴾ [يونس: 62]
والسمة الثانية: السكينة، اطمئنانك يجعلك تسير بخطىً ثابتة ومدروسة ومتأنية، الإنسان القلق والمتوتر لا ينجح، وأما الإنسان الهادئ المطمئن هو الذي ينجح.
أما السمة الثالثة: الإنتاجية، أن يكون لك إنتاج على مستوى وظيفتك، على مستوى فكرك، على مستوى علاقاتك الاجتماعية، أن يكون لك إنتاج، ورد عن الإمام الكاظم : ”من تساوى يوماه فهو مغبون“ مدير شركة ولكنه لا ينتج للشركة شيء وإن كان مدير ملتزم ومنتظم، معلم يومياً يدرس نفس المادة ولكن ليس لديه إنتاج، عدم الإنتاجية دليل على الإخفاق والفشل وعدم النجاح.
السمة الرابعة: تحقيق الذات، أن تكون راضياً عن ذاتك لأنك ترى مشاريعك مثمرة وترى مشاريعك منتجة لذلك يكون لك رضاً وقناعة بنفسك وذاتك.
ما هي المبادئ والخطوات التي إذا سلكتها وصلت إلى معالم النجاح والتألق؟
براين تريسي له كتاب يسمى علم نفس النجاح، وقد ترجمه الدكتور عبد اللطيف الخياط، يتحدث عن مبادئ النجاح، وكل ما تحدث عنه ورد في تراث الإمام أمير المؤمنين علي ، الإمام علي قبل ألف وأربعمئة سنة يتناول نفس المبادئ التي تناولها علم نفس النجاح واعتبرها مبادئ أصيلة وضرورية في الوصول إلى الشخصية الناجحة، وهذه المبادئ هي:
المبدأ الأول: تحديد الهدف، لابد أن تختار لك تخصص بعد دراسة التخصصات بسلبياتها وإيجابياتها، تختار التخصص المناسب.
والمبدأ الثاني: تحديد الأولويات، مع الأسف الكثير من شبابنا يختار التخصص الأسهل والأسرع، هذا ليس نجاح وليس تألق، بل أن تختار التخصص الأنفع والأكثر فائدة إلى مجتمعك، ورد عن الرسول محمد : ”خير الناس من نفع الناس“ وورد عن الإمام علي : ”أقرب النيات في النجاح أعودها بالصلاح“ لتكن أولوياتك في التخصصات والمشاريع الأكثر فائدة ونفعاً إلى مجتمعك.
أما المبدأ الثالث: الثقة بالذات، هل أنت واثق بنفسك؟ قد يقول شخص هذا غرور، ولكن فرق بين الغرور وبين الثقة بالذات، الغرور هو شعور بالنقص فيغطي شعوره بالنقص بأن يُبرز شخصيته.
ورد عن الإمام أمير المؤمنين علي : ”لا تجد ذا أنفة إلا لعلة في نفسه“ هذا غرور ونحن لا نتكلم عنه، الثقة بالذات تعني أن تكتشف طاقتك وأن تكتشف مواهبك وتحاول أن تحفزها وأن تستفزها وأن تستثمرها، الثقة بالذات أن تعلم أن لك مواهب، كل إنسان له موهبة في مجال ما، أن تكتشف طاقتك وموهبتك هذا يعبر عنه بالثقة بالذات، الإمام أمير المؤمنين علي عندما يتحدث عن الثقة بالذات يقول: ”تفاءل بالخير تنجح“ لا تكن متشائماً، ثق بنفسك دائماً، ثق بقدراتك، ثق بطاقتك، ستصل حتماً.
أديسون فشل مئات المرات إلى أن اخترع الكهرباء، ماكدونالدز فشل عدة مرات إلى أن أصبح إنساناً مشهوراً، عليك أن تكتشف طاقتك وموهبتك حتى تسير على ضوئها، هذه هي الثقة بالذات.
المبدأ الرابع: الشغف والعزيمة، إنجيلا دواركوث أستاذة أمريكية في الرياضيات، اكتشفت أن الذكاء ليس في الرياضيات فقط، فمن الممكن أن يصبح الإنسان ذكياً وعبقرياً في غير مجال الرياضيات، فغيرت تخصصها إلى علم النفس وأبدعت وقدمت دراسات للمجتمع البشري في مجال علم النفس.
أقامت تجربة تريد بها أن تكتشف ما هو العامل في النجاح على مجموعة من المتدربين في الكلية العسكرية، ومجموعة على الموظفين في المبيعات، ومجموعة من المتسابقين في ميدان الفروسية، ومجموعة من مدراء الشركات، تريد أن تكتشف القاسم المشترك بين الجميع في الوصول إلى النجاح ما هو، فاكتشفت أن القاسم المشترك بين الجميع في الوصول إلى النجاح هو الشغف والعزيمة، أن تكون شغوفاً بأهدافك، صابراً عليها، متحدياً إلى أن تصل إلى النتيجة منها.
ورد عن الرسول محمد : ”منهومان لا يشبعان: طالب علم وطالب مال“ كما أن التاجر الذي ينمي أمواله كلما حصل على أرباح فتح نفسه على تجارة أخرى وعلى صفقة أخرى، لا يمل ولا يتعب حتى يصل إلى أهدافه، أيضاً طالب العلم وطالب المعرفة كل يوم يبحث عن مجال من المعرفة، أفق من المعلومات لا يمل ولا يتعب كلاهما شغوف بطريقه.
المبدأ الخامس: إدارة الذات وضبطها، لديك شهوة ولديك عقل، ورد عن الإمام علي : ”إن الله ركَّب في ابن آدم عقلاً وشهوة، فمن غلب عقله شهوته فهو خير من الملائكة، ومن غلبت شهوته عقله فهو أدنى من البهائم“ لك شهوة وعقل أدر ذاتك، واضبط نفسك، استوفي شهوتك في مجالاتها واستوفي عقلك في مجالاته، إدارة الذات تعني أن تقسِّم وقتك وقدراتك وطاقاتك والحقوق التي عليك، ورد عن الرسول : ”إن لربك عليك حق، ولجسمك عليك حق، ولأهلك عليك حق، فأعطي كل ذي حق حقه“، وورد عن الإمام أمير المؤمنين : ”لا ينبغي للمؤمنين أن يكون شاخص إلا في ثلاث: تزود لمعاد، أو مرمة لمعاش، أو لذة في غير محرم“ يمارس لذته ويشبعها في غير محرم، هذا عبارة عن تنظيم الذات وإدارتها وكيف يضبط الإنسان ذاته وهمومه التي تعترض حياته.
المبدأ السادس: اتخاذ القرار والمبادرة، الناجح هو الذي لا يتوانى ولا يتأخر، متى ما اتضحت له الأهداف اتخذ القرار وبادر لأنه صاحب إرادة وصاحب عزيمة، تقول دواركوث: لا تخشَ من ثلاث: الخطأ، الفشل، وكلام الناس. فالخطأ كثير منا يخطئ لكن تحمل أخطاءك وبادر إلى إصلاحها، والفشل قد تفشل ولكن قد يكون لك بعد الفشل نجاح، وأما كلام الناس ونقدهم وتعليقهم فهو لا ينتهي، سر في طريقك الذي اقتنعت بأنه يفيد المجتمع وينفعه لكي تصل إلى التألق والنجاح.
من هنا ورد عن الإمام أمير المؤمنين علي : ”إذا خفت من شيء فقع فيه، فإن انتظارك له أشد من وقوعك فيه“ ارفع القلق بقرار وإرادة حازمة فإن انتظارك له أشد من وقوعك فيه.
وورد عن الإمام أمير المؤمنين علي : ”الرجل على قدر همته“
ورد عن الإمام أمير المؤمنين علي : ”قيمة كل امرئ ما يحسنه“ قيمتك في عطائك، قال تعالى: ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى «5» وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى «6»﴾ [الليل: 5 – 6] ﴿فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى﴾ [النازعات: 41]
المبدأ السابع: الوسط المحفز، اختر أصدقاء ناجحين حتى تصبح ناجحاً، أصدقاؤك والوسط الذي تعيش فيه مؤثر على شخصيتك وعلى دربك ومسيرتك، ورد عن الرسول : ”المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل“ من هنا ركَّز الإمام علي على الصديق والمحيط الذي تعيش فيه، هل هو محيط يحفزك نحو النجاح أم يثبطك ويرجعك إلى الوراء، قال علي : ”إياك ومصادقة الأحمق فإنه يريد أن ينفعك فيضرك، والبخيل فإنه يمنعك أحوج ما تكون إليه، والفاجر فإنه يبيعك بالقليل التافه، والكذاب فإنه كالسراب يقرب لك البعيد ويبعد عنك القريب“
معالم النجاح سبعة بحسب ما ذكرها أمير المؤمنين علي ، وتعرَّض لها كتاب علم نفس النجاح.
فرق بين العلم والمعرفة، فكثير من الأشخاص هم علماء ولكن ليس لديهم الوعي، أستاذ وبروفيسور في الجامعة ولكن ليس لديه وعي، العلم شيء والوعي شيء آخر، العلم شيء والمعرفة شيء آخر، العلم أن تجمع المعلومات، وأما المعرفة تعني ثلاثة عناصر: معلومات، فن، وفلسفة، إذا جمعت هذه الأركان الثلاثة فأنت ذو وعي ومعرفة، مثلاً أنت عندما تتساءل عن الصلاة، فتارة تقول ما هي الصلاة، فيقال لك الصلاة فريضة فرضها الله على عباده في اليوم خمس مرات، هذا يسمى علم، وتارة تقول: ما هي كيفية الصلاة، وهذا يسمى فن كيف أجيد كيفية الصلاة، كيف أتقنها.
كما ورد عن الرسول : ”صلوا كما رأيتموني أصلي“ وتارة تسأل ما هو الهدف من الصلاة وهذا يسمى فلسفة، عندما تسأل عن الهدف يسمى فلسفة، الواعي من مَلَكَ المعلومة ومَلَكَ الفن في ممارسة الفن، وعرف الأهداف والأسباب التي تكمن وراء المعلومة هذا يسمى بالوعي.
والمهارة غير التجربة، أحدهم يعرف كيف يقود سيارة تسمى تجربة، وأحدهم لديه فن في قيادة السيارة تسمى مهارة، المهارة أعلى درجة من التجربة، المطلوب من الشخصية الناجحة أن تكون لديها مهارة، أستاذ ناجح إذن لديه مهارة في التدريس، مدير شركة ناجح عنده مهارة في الإدارة، خطيب ناجح إذن لديه مهارة في الخطابة، النجاح عبارة عن المهارة وليس عبارة عن التجربة، لذلك ورد عن الإمام علي : ”من استغنى عن التجارب عَمِيَ عن العواقب“ من لا يكرر التجربة إلى أن يكتسب المهارة فهو أعمى عن العواقب.
أن لا تضيع نفسك في ألف شغلة وألف مهمة، تمركز في شغلة واحدة، الإنسان الذي لديه عدة أشغال وعدة وظائف وعدة مهمات لا ينجح ولا في واحدة منها، والإنسان الذي يتمركز حول قضية معينة ومحور معين يبدع وينجح فيه، ليكن عندك تمركز، الإمام علي يقول: ”من نظر إلى متفاوت خذلته الحيلة“ وقال: ”إن رأيك لا يتسع لك شيء ففرغه للمهم، فمن اشتغل بغير المهم ضيع الأهم“ حاول أن تتمركز في محاور معينة حتى تبدع فيها.
مثلاً ألا يعرف الناس من هو علي ولكن هل يؤمنون بعلي؟ ليس كل من عرف علي آمن بعلي، هو يعرف علياً وقدراته وطاقاته لكن هناك حواجز نفسية أو تاريخية تمنعه من الإيمان بعلي، يقول القرآن الكريم: ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظلْمًا وَعلُوًّا﴾ [النمل: 14] يعرفون من هو علي، وإذا طُرحت الأسماء يعرفون أن علياً ألمع الأسماء ولكنهم لا يؤمنون بعلي لوجود حواجز وفواصل نفسية، هؤلاء لا يعيشون معلم الواقعية والموضوعية لأنهم لا يعيشون خضوع النفس للعقل، العقل يقول هذا علي، لكن النفس تأبى أن تخضع لعلي، إذا لم تخضع النفس للعقل عاش الإنسان مثل هذه الهواجس وهذه الحزازات، قال علي : ”لو ملئت جيوب المنافق على أن يحبني ما أحبني، ولو ضربت خيشوم المؤمن بسيفي هذا على أن يبغضني ما أبغضني“ وذلك أنه قضي وانقضى على لسان رسول الله : ”يا علي لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق“
كل نجاح يحتاج إلى صبر، دراستك تحتاج إلى صبر، عملك يحتاج إلى صبر، علاقتك بزوجتك تحتاج إلى صبر، علاقتكِ بزوجكِ تحتاج إلى صبر، صار الطلاق اليوم أيسر من شرب الماء، فلو أن الأسر ضحت بهذه القيمة المعنوية الأسرية لأجل اختلاف لما بقيت أسرة، نجاحك في أن تصبر على زوجتك ونجاح زوجتك أن تصبر عليك، كلا من الزوجين يحتاجان إلى تضحية وتنازل وسمو في النفس لكي تمشي السفينة بهما وهما راضيان متلائمان ومتقاربان ومتحدان.
إذن كل شيء يحتاج إلى صبر وصمود، ورد عن الإمام علي : ”بشر نفسك إذا صبرت بالنُّجح والظفر فإن آفة النُّجح الكسل“
الإمام أمير المؤمنين علي يقول: ”كن صادقاً مع نفسك وضعها في مواضعها تنجح“ ﴿اتَّقُوا اللَّهَ وَكونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ [التوبة: 119]، الصدق أن تجمع بين الخطين: الخط القصير، والخط الطويل، أنت لم تخْلق للخط القصير وإنما خُلِقْت للخط الطويل، لن تعيش في الدنيا كثيراً مهما عشت.
فهذا خط قصير زائل وسترحل حتماً إلى الخط الطويل، إذا أدركت أن توفق بين الخط القصير والخط الطويل فأنت الصادق مع نفسك.
أنت الذي وضعت نفسك في مواضعها ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا «7» فَأَلْهَمَهَا فجُورَهَا وَتَقْوَاهَا «8» قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا «9» وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا «10»﴾ [الشمس: 7 – 10] أنت تغش نفسك عندما تزاول المعاصي، الصادق مع نفسه هو الذي ينظر دائماً إلى الخط الطويل لا إلى الخط القصير، يقول القرآن الكريم: ﴿مَنْ كَانَ يرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نريدُ ثمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا «18» وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهوَ مؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا «19» كلًّا نمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا «20»﴾ [الإسراء: 18 – 20] أنت لتكون صادقاً عليك أن تركز على الخط الطويل أكثر من تركيزك على الخط القصير.
يا أختي يا ابنتي عليك بالالتزام بالحجاب لا يغرنك الخط القصير، ربما تغتر الفتاة بجمالها وأناقتها وأنوثتها فتقول لماذا يقيدني الإسلام ويفرض علي حدوداً شديدة على حجابي والتزامي.
لماذا! أريد أن أكون حرة، وأن أبرز جمالي وأناقتي، لا يغرنك الخط القصير، فهذا الجمال سيزول يوماً من الأيام وهذه الأناقة ستتبخر يوماً من الأيام، وسينتهي الخط القصير وتأتين إلى الخط الطويل ﴿يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَملَاقِيهِ﴾ [الانشقاق: 6] وحينئذ لابد أن تنتبهي إلى ما يريده الخط الطويل منكِ، ورد عن الإمام علي : ”ما لعلي ولنعيم يفنى ولذة لا تبقى“
وأنت يا أخي ويا ولدي عليك أن تفكر في دربك، عليك أن تعرف أنك مهما كنت شاباً ويافعاً وقوي العضلات ومتمتعاً بصحتك.
ولكن سيأتيك الموت فجأة وصدفة ومن غير أن تتهيأ له، عليك أن تراقب الخط الطويل، وعليك أن تقرأ الآية: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حسْنُ الْمَآبِ﴾ [آل عمران: 14] كل ذلك متاع وشيء مؤقت والله عنده حسن المآب، فإذن التفت وارتبط بالمسجد وبصلاة الجماعة، ارتبط بالدعاء وبما يقربك ويزلف لديك الخط الطويل.
يا أختي ارتبطي بالحجاب الشرعي الذي يستر شعرك ويستر بدنكِ، ويا أخي ارتبط بالإيمان وبدرب الصالحين، وكونوا مع الصادقين فهذا هو الصدق.
عندما نريد أن نتكلم عن معالم النجاح يأتينا هذا السؤال، وربما يقول شخص لا؛ لأن الإمام علي أسس دولة ولم تستقر الدولة، دخل حروب ثلاث ولم تستقر دولته التي دامت أربع سنين وأشهر، الشخص الذي لم يستطع أن يؤسس دولة مستقرة كيف نعتبره إنساناً ناجحاً!
الجواب: من معالم النجاح الذي حققه علي بن أبي طالب حققه في القضايا المصيرية المفصلية، علي نجح في القضايا المفصلية المصيرية التي تعد من العناصر الثابتة لا من العناصر المتغيرة، نجاحه في عدة مجالات:
عِلْمُ علي وهل هناك أعلم من علي، علي استثمر حياته وشبابه في العلم، لقد علمتم موضعي من رسول الله بالقرابة القريبة والمنزلة الخصيصة.
لقد كفلني في حجره وأنا وليد، يمسني جسده ويضمني إلى صدره ويمضغ لي الطعام ويلقمنيه.
وكان يرفع لي كل يوم علماً من أخلاقه ويأمرني بالاقتداء به، وكنت أتبعه إتباع الفصيل أثر أمه، فما وجد لي كذبة في قول، ولا خطلة في فعل، محمد النبي أخي وصهري وحمزة سيد الشهداء عمي وجعفر الذي يضحي ويمسي يطير مع الملائكة ابن أمي، وبنت محمد سكني وعرسي، منوط لحمها بدمي ولحمي، وسبطا أحمد ولداي منها، فمن منكم له سهم كسهمي، سبقتكم إلى الإسلام طراً على ما كان من فهمي وعلمي، وصليت الصلاة وكنت طفلاً صغيراً ما بلغت أوان حلمي.
وأوجب لي ولايته عليكم رسول الله يوم غدير خم، فويل ثم ويل ثم ويل لمن يرد القيامة وهو خصمي.
”أنا مدينة العلم وعلي بابها“ مفتاح التشريع ومفتاح الفكر السماوي علي، هل هناك أعظم من هذا النجاح! ”لقد علمني رسول الله ألف باب من العلم يفتح لي من كل باب ألف باب“
وهل أنتج أحد من الصحابة أو أحد من المسلمين كما أنتج علي كنهج البلاغة، كتاب تناول كل مفردات الحياة وتحدث عن كل مناحي الحياة، وأبدع وبرع وتبينت مهارته وقدرته في كل هذه المجالات، فهل هناك إنتاج غزير صدر من أحد من المسلمين كما صدر من علي بن أبي طالب بعد القرآن الكريم!
علي لم يكن يركز على عالم المادة حتى يقال لم ينجح وهو القائل: ”حب الدنيا رأس كل خطيئة“ علي دار بين خيارين منذ أول يوم، إما أن يركض وراء للسلطة ويؤسس حكومة ويثبت فيها بكل الوسائل أو يبقى رمزاً للعدالة والصدق.
فدار أمر علي بين لذتين: لذة دنيوية وهي لذة الحكم والسلطة، ولذة معنوية وهي لذة العدالة والصدق والقيم، فاختار علي اللذة المعنوية على اللذة المادية، اختار علي أن يكون ناجحاً في مجال العدالة، أختار علياً أن يكون رمزاً للقيم والفضائل ولو لم تستقر له السلطة في زمانه، لأن الحروب فرِضت عليه ولم يدخل فيها باختياره.
علي لما دار أمره بين الطريقين اختار الطريق الذي يعد عنصراً ثابتاً وهو طريق الخلود والعدالة والصدق، طريق القيم والفضائل.
لذلك علي كان يقول: “والله ما معاوية بأدهى مني ولكنه يغدر ويفجر ولو شئت لاهتديت الطريق إلى مصفى هذا العسل ولباب هذا القمح ونسائج هذا القز، ولكن هيهات أن يغلبني هواي أو يقودني جشعي إلى تخير الأطعمة، وقد يرى الْحوَّلُ الْقلَّبُ وجه الحيلة ودونها حاجز من تقوى الله، قالوا: يا أبا الحسن قَرِّب الأشراف وقَدِّم المهاجرين، وأغدق عليهم الأموال حتى يثبت سلطانك. قال: ويحكم! أتأمرونني أن أطلب النصر بالجور، والله لو كان المال لي لساويت بينهم فكيف والمال مال الله.
لا تَقُل شيعةٌ هواةُ علٍّي إنَّ كلَّ منصفٍ شيعيًا
أنا مَن يَعشقُ البطولةَ والإلهامَ والعدلَ والخلقَ الرَضِيَّا
فإذا لم يكن عَليٌّ نَبيًّا فَلَقَد كانَ خلُقَهُ نَبوّيَا
يا سماءُ اشهَدِي ويَا ارضُ قَرِّي واخشَعِي إنَني ذَكَرتُ عَليِّاً
القائد من يخرج قادة، علامة القيادة أن تخرج قيادات أخرى، علي قائد وبنى قادة، الحسين، أبو الفضل العباس، الحسن الزكي، علي بنى قادة على خطه ومنهجه وسيرته ودربه، لذلك شَكَّل النجاح لأنه أمد التاريخ بقيادات تاريخية بارزة، هكذا كان علي .
ومن أعظم نجاحات علي أنه ارتبط بالملكوت الأعلى، علي هو الإمام العادل وهو الفارس العظيم، هو ذلك البطل الكبير، وهو نفسه علي العابد والمتهجد والبكاء في المحراب ليلاً، وهو الضحاك إن جد الضراب، هكذا كان علي بن أبي طالب.
الإمام زين العابدين وهو سيد الساجدين علي بن الحسين كان معروفاً بالعبادة وكان يقتدي بجده الإمام علي ويقول لولده الباقر:
ناولني صحيفة أعمال جدي أمير المؤمنين. فناولته إياها فبكى وبكى، قال: من يقدر على عبادتك يا أمير المؤمنين. الإمام علي هو نفسه يقول أنتم لا تقدرون مثلي ولكن اقتدوا، وإن لكل مأمون إمام يقتدي به ويستضيء بنور علمه، ”ألا وإن إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه، ومن طعامه بقرصيه، ألا وإنكم لا تقدرون على ذلك ولكن أعينونا بورع واجتهاد، وعفة وسداد“.
علي بن أبي طالب كان هكذا، مع الله ومن الله وفي الله، يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة، ثمان ساعات من النهار والليل يستغرقهما في العبادة كل يوم.
دخل ضرار على معاوية بن أبي سفيان بعد مقتل الإمام علي ، قال معاوية: يا ضرار صف لي علياً. فقال ضرار: اعفني من ذلك. وقال ابن سفيان: أبيت عليك إلا أن تصف لي علياً.
كما قال: إن أبيت إلا ذلك فاسمع، كان علياً والله بعيد المدى شديد القوى، يقول فصلاً، ويحكم عدلاً، كان والله غزير الدمعة طويل الفكرة،.
يحاسب نفسه إذا خلا ويقلب كفيه على ما مضى، يستوحش من الدنيا وزهرتها ويأنس بالليل ووحشته، كان يعظِّم أهل الدين ويتحبب إلى المساكين، وكان يدنينا منه إذا أتيناه ويجيبنا إذا سألناه، وكان فينا كأحدنا لكنا لا نكلمه هيبة منه، فإذا تبسَّم فعن مثل اللؤلؤ المنظوم ولقد رأيته ليلة من لياليه واقفاً في محرابه قابضاً على شيبته يتململ تململ السليم وهو يقول إليك يا دنيا غري غيري، لقد بِنْتُك ثلاثاً لا رجعة لي بعدها، فعمرك قصير وعيشك حقير وخطرك كبير، آه من قلة الزاد، وبعد السفر ووحشة الطريق.
السيد منير الخباز/موقع شبكة المنير
————————
المقالات والتقارير المنشورة بأسماء أصحابها تعبر عن وجهة نظرهم ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع