هذا علم لا ينفع من علمه ولا يضر من جهله، وإنما هو مجرد ترف فكري أحيانا، أو سخافة ورجعية وتخلف أحيانا أخرى.
ثم يقول: وإذا كان لا خلاف بين مريم وفاطمة حول هذا الأمر، فلماذا نختلف نحن في ذلك؟ فلفاطمة فضلها، ولمريم فضلها، ولا مشكلة في ذلك.
لا شك في أن الزهراء عليها السلام هي أفضل نساء العالمين، من الأولين والآخرين، أما مريم فهي سيدة نساء عالمها. وقد روي ذلك عن رسول الله (ص) نفسه، فضلا عما روي عن الأئمة عليهم السلام(1).
ويدل على أنها أفضل من مريم كونها سيدة نساء أهل الجنة، ومريم من هؤلاء النسوة(2).
ويدل على أفضليتها أيضا، ما روي عن الصادق(ع): لولا أن الله تبارك وتعالى خلق أمير المؤمنين لفاطمة ما كان لها كفؤ على ظهر الأرض من آدم ومن دونه (3).
وهذا الخبر يدل على أفضلية أمير المؤمنين (عليه السلام) أيضا.
ثانيا:
إن سؤالنا عن الأفضلية لا يعني أننا نختلف في ذلك، بل هو استفهام لطلب المزيد من المعرفة بمقامات أولياء الله تعالى التي ورد الحث على طلب المزيد منها، لأنه يوجب مزيدا من المعرفة بالله تعالى.
ونحن لو اختلفنا في ذلك فليس هو خلاف الخصومة والعدوان، وإنما هو الخلاف في الرأي، الذي يأخذ بيدنا إلى تقصي الحقيقة وازدياد المعرفة، وتصحيح الخطأ والاشتباه لدى هذا الفريق أو ذلك.
إن علينا أن ندرك ـ كل بحسب قدرته ـ إن كل ما جاء في كتاب الله تعالى، وكل ما قاله رسول الله (ص) وأوصياؤه عليهم السلام، وأبلغونا إياه، وكل ما ذكر في كتاب الله العزيز، لا بد أن نعرفه بأدق تفاصيله إن استطعنا إلى ذلك سبيلا، وهو علم له أهميته، وهو يضر من جهله، وينفع من علمه. ولا ينحصر ما ينفع علمه بما يرتبط بالأمور السياسية فقط، أو المالية، أو الاجتماعية، أو التنظيمية، والممارسة اليومية للعبادات أو ما إلى ذلك.
وذلك لأن للانسان حركة في صراط التكامل ينجزها باختياره وجده، وبعمله الدائب، وهو ينطلق في حركته هذه من إيمانه، ويرتكز إلى درجة يقينه، وهذا الإيمان وذلك اليقين لهما رافد من المعرفة بأسرار الحياة، ودقائقها، وبملكوت الله سبحانه، وبأسرار الخليقة، ومن المعرفة بالله سبحانه، وبصفاته وأنبيائه وأوليائه الذين اصطفاهم، وما لهم من مقامات وكرامات، وما نالوه من درجات القرب والرضا، وما أعده الله لهم من منازل الكرامة، كمعرفتنا بأن الله سبحانه هو الذي سمى فاطمة(4)، وهو الذي زوجها في السماء قبل الأرض (5)، وبأنها كانت تحدث أمها وهي في بطنها (6)، وغير ذلك.
وهذه المعرفة تزيد في صفاء الروح ورسوخ الإيمان، ومعرفة النفس الموصلة إلى معرفة الرب سبحانه.
ومن الواضح: أن مقامات الأنبياء والأوصياء والأولياء، ودرجات فضلهم قد سمت وتفاوتت بدرجات تفاوت معرفتهم بذلك كله.
غير أن بعض المعارف قد تحتاج إلى مقدمات تسهل علينا استيعابها، وتؤهلنا للاستفادة منها بالنحو المناسب، فتمس الحاجة إلى التدرج في طي مراحل في هذا السبيل، تماما كطالب الصف الأول، فإنه لا يستطيع عادة أن يستوعب ـ بالمستوى المطلوب ـ المادة التي تلقى على طلاب الصف الذي هو في مرحلة أعلى كالطالب الجامعي مثلا، بل لا بد له من طي مراحل تعده لفهم واستيعاب ذلك كله تمهيدا للانتفاع به.
وكلما قرب الإنسان من الله، زادت حاجته إلى معارف جديدة تتناسب مع موقعه القربى الجديد، واحتاج إلى المزيد من الصفاء، والطهر، وإلى صياغة مشاعره وأحاسيسه وانفعالاته، بل كل واقعه وفقا لهذه المستجدات.
وهذا شأن له أصالته وواقعيته ولا يتناسب مع مقولة: هذا علم لا ينفع من علمه ولا يضر من جهله.
وإذا كان الإمام الصادق عليه السلام لم يترفع عن الخوض في أمر كهذا، حين سئل عن هذا الموضوع فأجاب. فهل يصح منا نحن أن نترفع عن أمر تصدى للإجابة عنه الإمام(ع) دونما اضطرار، وهو الأسوة والقدوة؟!.
إذن..نحن بحاجة لمعرفة ما لفاطمة(ع) من مقام علي وكرامة عند الله، ومعرفة ما لها من فضل على باقي الخلائق، وبحاجة إلى معرفة أنها سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين، وأنها أفضل من مريم(ع)، ومن كل من سواها، حتى لو كانت مريم(ع) سيدة نساء عالمها.
إننا بحاجة إلى ذلك، لأنه يعمق ارتباطنا بفاطمة عليها السلام، ويدخل فاطمة إلى قلوبنا، ويمزجها بالروح وبالمشاعر وبالأحاسيس، ليزداد تفاعلنا مع ما تقول وما تفعل، ونحس بما تحس، ونشعر بما تشعر، ونحب من وما تحب، ونبغض من وما تبغض، ويؤلمنا ما يؤلمها ويفرحنا ما يفرحها، فيزيدنا ذلك خلوصا وطهرا وصفاء ونقاء، ومن ثم هو يزيد في معرفتنا بحقيقة ظالميها والمعتدين عليها، ويعرفنا حجم ما ارتكب في حقها، ومدى سوء ذلك وقبحه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ