من لحظة التسليم بأن الوهم يمكن أن يحل محل الحقيقة..ومن نقطة امتزاج الصدق بالكذب تبدأ التعاسة.."أشعب" واحد من ظرفاء العرب، وربما هو شخصية غير حقيقية لكنه يوصم بالطمع والكذب والغباء، وهي صفات لا يمكن إجتماعها في شخص واحد، لكن الحكواتية جمعوها لأجل إمتاع السلاطين.. أشعب كان يكذب ويصدق نفسه،..ومثل "أشعب" ما يجري على ألسنة مسؤولين كبار في دولتنا، وإزائهم يبدو "أشعب" كذابا صغيرا، ومن المحتمل أن "أشعبا" سيصاب بالجنون لو تأتى له أن يعيش في عصرنا هذا، ووجد أن المسؤول الكبير عندنا يكذب. فيصدقه الناس، ويسارعون إلى تبجيله وإضفاء صفات المجد عليه.. أيبقى في رأسه شيء من عقل؟!..أعطوني مسؤولا كبيرا واحدا لم يكذب علينا وخذوا نصف عمري، أما النصف الثاني فسأقايض به الحقيقة المتبقية، لأنجو من هذا الواقع المؤلم الذي أركسنا فيه الكذابين ـ أو الكذابون ـ بالضم بالواو كما يقول النحاة أثبت وأوقع !.. أم أنه سيسارع بالاختباء في قبره..طلبا للنجاة هربا من سخريات هذا الزمان الذي إمتطى ظهورنا فيه مسؤولون ـ أو مسؤولين ـ بالكسر بالياء كما يقول النحاة أضعف وأقل ثباتا ـ : هذه مشيجيخة لا يعرف مغزاها إلا هو تعالى والراسخون بالنحو..!..فما إن طرحت على الملأ موضوعة الترشيق حتى بات علينا أن نصدق معجزات بعض المسؤولين الذين أستمرأو الكذب لدرجة الإدمان، ونقر لهم بالخوارق التي تبثها آلة إعلام نالت شرف الإنتماء لقبيلة المهرجين بلا منافس، ونعني بها قبيلة سكان مكاتبهم الإعلامية خبراء "اليلخ"* التي "تطير فيلة" و"تهفي كباب"..فقد كنا نظن أنهم سيتوارون خجلاً من التشوهات التي أحدثوها في حاضرنا، ويكتفون بما أحدثوه فينا من قنوط وتقلص خيارات المسحوقين، فأوصلونا الى الحالة الصفرية،حيث تتساوى خيارات المقهورين بين الموت صمتاً والموت علناً!... لقد أكلونا من هذا الفك الى هذا الفك، ورمونا عضاما ثم باعونا...ومع أن لا مكان للمعجزات في حياتنا المعاصرةلأنها انقضت مع الأنبياء.. ولا أنبياء في هذا الزمان الذي تسلط عليه الدجالون والكذابون.. لكن معجزات مؤسساتنا فاقت معجزات الأنبياء...
*اليلخ:مفردة جنوبية تعني الكذب..!
كلام قبل السلام: لقد باع أخوة يوسف عليه السلام أخاهم بثمن بخس..لأنهم أرادوا التخلص منه.. للاستحواذ على الأب جملة وتفصيلا.. والنتيجة هي أن رموه في البئر.. واتهموا الذئب بالجريمة!!
سلام...