من الحكم التي قيلت: خير الناس من نفع الناس.
من أبرز مصاديق هذا القول هي مهنة الطب، فقبل أن تكون تجارة، أو ظيفة لكسب المال، فهي عمل أنساني وأخلاقي قبل كل شيء، ويعطى العامل بها، أجراً كثير وثواب جزيل، إذا نوى عمله لله عز وجل، فمهنة الطب أيضاً تدخل ضمن الأحاديث الشرعية، التي حثت على قضاء حوائج الناس، وتفريج الهم عنهم، وإدخال السرور على قلوبهم.
كان الإمام علي عليه السلام، يصف رسول الله" صلى الله عليه وأله":(طبيب دوّار بطبهِ)، فهو لا ينتظر المرضى أن تأتي إلى عيادته، بل كان يذهب إليهم، من موقع الشعور بالمسؤولية، والأحساس بالآخرين، والرحمة التي ملأت قلبه، فمرضى النفوس والقلوب، الذين هم في مواضع الغفلة، وموطن الحيرة، أشد من مرضى الأبدان!.
إذا غاب القانون والضمير عن الانسان، حلّ محلهما الفوضى والتسيّب.
في العقد الثمانيني من القرن المنصرم، حيث يخشى الناس من مخالفة قوانين حكم البعث، كان طبيب الأختصاص والجراح والأستشاري، ملتزمون في خفاراتهم الليلية، والقانون لايسمح لهم بفتح عيادات خاصة، إلا من مضى عليه 10 أعوام في مهنته، ويكون ذلك في يومي الخميس والجمعة فقط.
ما يجري الآن في مستشفياتنا، مهزلة وأنتكاسة بحق الطب، وأستهزاء بالأنسان العراقي، من قبل أطباء لا يلتزمون بقانون، ولايستشعرون بمعاناة وآلام المرضى، وخلعوا عن أنفسهم رداء الأنسانية، لو ذهبت إلى المشفى في الليل، فأنك لا تجد سوى طبيب واحد خفر، من الذين تخرجوا حديثاً من كلية الطب، وجاء معايشة، وإذا واجهته حالة طبية حرجة لا يعرف ماذا يفعل، ولولا خبرة المعاون الطبي، ترثى لحاله ولحال المريض!.
نأمل من السيدة وزيرة الصحة"عديلة حمود"، أن تتنكر ولا يعرفها أحد، ثم تقوم بزيارة ليلية لأحدى المستشفيات، مثل ما فعلتها قبل، للأطلاع على واقع الحال، لكي تتخذ أجراءات تأديبية بحق الأطباء المتسيبين.
الشيخ الرئيس أبو علي أبن سينا، من أشهر الاطباء، وأول من كتب في الطب، ومن أشهر كتبه، كتاب"القانون في الطب"، ودرّس في الجامعات الأوربية لبضعة قرون، كان يدور على المرضى ويتعهدهم مجاناً، لا يطلب ولا يجمع منهم، يفعل ذلك قربة إلى ربه، وحباً في العلم.
أين أطباءنا من الشيخ الرئيس؟! لا همّ لهم سوى جمع المال، فالطبيب بعد تخرجه بسنة، فتح له عيادة، وبالسنة الثانية بنى له بيت من"دبل اليوم"، وهذه هي غايته من دراسة الطب، وكثير من المرضى ماتوا بسبب قلة خبرتهم ومعرفتهم.